الصَّحَابَةِ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ خُشُوعِ النِّفَاقِ، قَالُوا: وَمَا خُشُوعُ النِّفَاقِ؟ قَالَ: أَنْ تَرَى الْجَسَدَ خَاشِعًا وَالْقَلْبَ غَيْرَ خَاشِعٍ؛ وَأَسَاسُ النِّفَاقِ وَأَصْلُهُ هُوَ التَّزَيُّنُ لِلنَّاسِ بِمَا لَيْسَ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْإِيمَانِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ مِنْ كَلَامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ، وَهُمَا مِنْ أَنْفَعِ الْكَلَامِ، وَأَشْفَاهُ لِلسَّقَامِ.
[فَصَلِّ أَعْمَالُ الْعِبَادِ]
فَصْلٌ
[أَعْمَالُ الْعِبَادِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ الْمَقْبُولُ مِنْهَا نَوْعٌ وَاحِدٌ]
وَقَوْلُهُ: " فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعِبَادِ إلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا " وَالْأَعْمَالُ أَرْبَعَةٌ: وَاحِدٌ مَقْبُولٌ، وَثَلَاثَةٌ مَرْدُودَةٌ؛ فَالْمَقْبُولُ مَا كَانَ لِلَّهِ خَالِصًا وَلِلسُّنَّةِ مُوَافِقًا، وَالْمَرْدُودُ مَا فُقِدَ مِنْهُ الْوَصْفَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ الْمَقْبُولَ هُوَ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَضِيَهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا يُحِبُّ مَا أَمَرَ بِهِ وَمَا عُمِلَ لِوَجْهِهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يُحِبُّهَا، بَلْ يَمْقُتُهَا وَيَمْقُتُ أَهْلَهَا، قَالَ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [الملك: ٢] .
قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: هُوَ أَخْلُصُ الْعَمَلِ وَأَصْوَبُهُ، فَسُئِلَ عَنْ مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ، حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا فَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ١١٠] .
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ بَانَ بِهَذَا أَنَّ الْعَمَلَ لِغَيْرِ اللَّهِ مَرْدُودٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَالْعَمَلَ لِلَّهِ وَحْدَهُ مَقْبُولٌ؛ فَبَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ لِلَّهِ وَلِغَيْرِهِ، فَلَا يَكُونُ لِلَّهِ مَحْضًا وَلَا لِلنَّاسِ مَحْضًا، فَمَا حُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ؟ هَلْ يَبْطُلُ الْعَمَلُ كُلُّهُ أَمْ يَبْطُلُ مَا كَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَيَصِحُّ مَا كَانَ لِلَّهِ؟ قِيلَ: هَذَا الْقِسْمُ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ؛ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ الْأَوَّلُ عَلَى الْعَمَلِ هُوَ الْإِخْلَاصُ، ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ الرِّيَاءُ وَإِرَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ فِي أَثْنَائِهِ، فَهَذَا الْمُعَوَّلُ فِيهِ عَلَى الْبَاعِثِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَفْسَخْهُ بِإِرَادَةٍ جَازِمَةٍ لِغَيْرِ اللَّهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ قَطْعِ النِّيَّةِ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ وَفَسْخِهَا، أَعْنِي قَطْعَ تَرْكِ اسْتِصْحَابِ حُكْمِهَا؛ الثَّانِي: عَكْسَ هَذَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ الْأَوَّلُ لِغَيْرِ اللَّهِ، ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ قَلْبَ النِّيَّةِ لِلَّهِ، فَهَذَا لَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِمَا مَضَى مِنْ الْعَمَلِ، وَيُحْتَسَبُ لَهُ مِنْ حِينِ قَلْبِ نِيَّتِهِ؛ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْعِبَادَةُ لَا يَصِحُّ آخِرُهَا إلَّا بِصِحَّةِ أَوَّلِهَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ، كَالصَّلَاةِ، وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ كَمَنْ أَحْرَمَ لِغَيْرِ اللَّهِ ثُمَّ قَلَبَ نِيَّتَهُ لِلَّهِ عِنْدَ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute