للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَرَادُ مِنْ الْمَيْتَةِ، فَكَيْفَ وَلَيْسَتْ بِمَيْتَةٍ؟ فَإِنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ وَالذَّكَاةُ قَدْ أَتَتْ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا، فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا بِذَكَاةٍ، وَالْجَنِينُ تَابِعٌ لِلْأُمِّ جُزْءٌ مِنْهَا؛ فَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ، وَلَوْ لَمْ تَرِدْ السُّنَّةُ بِالْإِبَاحَةِ، فَكَيْفَ وَقَدْ وَرَدَتْ بِالْإِبَاحَةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْقِيَاسِ وَالْأُصُولِ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَالْمُرَادُ التَّشْبِيهُ، أَيْ ذَكَاتُهُ كَذَكَاةِ أُمِّهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِذَكَاةٍ تُشْبِهُ ذَكَاةَ الْأُمِّ.

قِيلَ: هَذَا السُّؤَالُ شَقِيقُ قَوْلِ الْقَائِلِ: " " كَلِمَةٌ تَكْفِي الْعَاقِلَ " فَلَوْ تَأَمَّلْتُمْ الْحَدِيثَ لَمْ تَسْتَحْسِنُوا إيرَادَ هَذَا السُّؤَالِ؛ فَإِنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ هَكَذَا: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ وَفِي بَطْنِهَا الْجَنِينُ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ؛ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» فَأَبَاحَ لَهُمْ أَكْلَهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ ذَكَاةٌ لَهُ؛ فَقَدْ اتَّفَقَ النَّصُّ وَالْأَصْلُ وَالْقِيَاسُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

[رَدُّ السَّنَةِ الصَّحِيحَةِ فِي إشْعَارِ الْهَدْيِ]

[إشْعَارُ الْهَدْيِ]

الْمِثَالُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: رَدُّ السَّنَةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ فِي إشْعَارِ الْهَدْيِ، بِأَنَّهَا خِلَافُ الْأُصُولِ؛ إذْ الْإِشْعَارُ مُثْلَةٌ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ خِلَافُ الْأُصُولِ الْبَاطِلَةِ، وَمَا ضَرَّهَا ذَلِكَ شَيْئًا، وَالْمُثْلَةُ الْمُحَرَّمَةُ هِيَ الْعُدْوَانُ الَّذِي لَا يَكُونُ عُقُوبَةً وَلَا تَعْظِيمًا لِشَعَائِرِ اللَّهِ؛ فَأَمَّا شَقُّ صَفْحَةِ سَنَامِ الْبَعِيرِ الْمُسْتَحَبُّ أَوْ الْوَاجِبُ ذَبْحُهُ لِيَسِيلَ دَمُهُ قَلِيلًا فَيَظْهَرَ شِعَارُ الْإِسْلَامِ وَإِقَامَةُ هَذِهِ السُّنَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَحَبِّ الْأَشْيَاءِ إلَى اللَّهِ فَعَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ، وَأَيُّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ حَرَّمَ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ خِلَافًا لِلْأُصُولِ؟ وَقِيَاسُ الْإِشْعَارِ عَلَى الْمُثْلَةِ الْمُحَرَّمَةِ مِنْ أَفْسَدِ قِيَاسٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ؛ فَإِنَّهُ قِيَاسُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ عَلَى مَا يَبْغُضُهُ وَيَسْخَطُهُ وَيَنْهَى عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي حِكْمَةِ الْإِشْعَارِ إلَّا تَعْظِيمُ شَعَائِرِ اللَّهِ وَإِظْهَارُهَا وَعِلْمُ النَّاسِ بِأَنَّ هَذِهِ قَرَابِينُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تُسَاقُ إلَى بَيْتِهِ تُذْبَحُ لَهُ وَيُتَقَرَّبُ بِهَا إلَيْهِ عِنْدَ بَيْتِهِ كَمَا يُتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِالصَّلَاةِ إلَى بَيْتِهِ عَكْسَ مَا عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَذْبَحُونَ لِأَرْبَابِهِمْ وَيُصَلُّونَ لَهَا؛ فَشَرَعَ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ تَوْحِيدِهِ أَنْ يَكُونَ نُسُكُهُمْ وَصَلَاتُهُمْ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَأَنْ يُظْهِرُوا شَعَائِرَ تَوْحِيدِهِ غَايَةَ الْإِظْهَارِ لِيُعْلُوا دِينَهُ عَلَى كُلِّ دِينٍ؛ فَهَذِهِ هِيَ الْأُصُولُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي جَاءَتْ السُّنَّةُ بِالْإِشْعَارِ عَلَى وَفْقِهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

[رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي مَنْ اطَّلَعَ عَلَى قَوْمٍ فَأَتْلَفُوا عَيْنَهُ]

[لَا دِيَةَ لِمَنْ اطَّلَعَ عَلَى قَوْمٍ فَأَتْلَفُوا عَيْنَهُ]

الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>