يُسْقِطُ وَطْؤُهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إتْمَامِ النُّسُكِ، فَيَكُونُ ارْتِكَابُهُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ سَبَبًا لِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَنَظِيرُ هَذَا الصَّائِمُ إذْ أَفْطَرَ عَمْدًا لَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ فِطْرُهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إتْمَامِ الْإِمْسَاكِ، وَلَا يُقَالُ لَهُ: قَدْ بَطَلَ صَوْمُكَ فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْكُلَ فَكُلْ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ وَقَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ لَهُ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا طَرَدْتُمْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ إذَا أَفْسَدَهَا، وَقُلْتُمْ: يَمْضِي فِيهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا.
قِيلَ: مِنْ هَاهُنَا ظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمُضِيَّ فِي الْحَجِّ الْفَاسِدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَجَّ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ كَمَا لِلصِّيَامِ وَقْتٌ مَحْدُودٌ وَهُوَ الْغُرُوبُ، وَلِلْحَجِّ مَكَانٌ مَخْصُوصٌ لَا يُمْكِنُ إحْلَالُ الْمُحْرِمِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ كَمَا لَا يُمْكِنُ فِطْرُ الصَّائِمِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى وَقْتِ الْفِطْرِ، فَلَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ وَلَا فِعْلُ الْحَجِّ ثَانِيًا فِي وَقْتِهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا ثَانِيًا فِي وَقْتِهَا؛ وَسِرُّ الْفَرْقِ أَنَّ وَقْتَ الصِّيَامِ وَالْحَجِّ بِقَدْرِ فِعْلِهِ لَا يَسَعُ غَيْرَهُ، وَوَقْتُ الصَّلَاةِ أَوْسَعَ مِنْهَا فَيَسَعُ غَيْرُهَا، فَيُمْكِنُهُ تَدَارُكَ فِعْلَهَا إذَا فَسَدَتْ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ، وَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الصِّيَامِ وَالْحَجِّ إذَا فَسَدَا إلَّا فِي وَقْتٍ آخَرَ نَظِيرَ الْوَقْتِ الَّذِي أَفْسَدَهُمَا فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[فَصَلِّ الْعُذْرُ بِالنِّسْيَانِ عَلَى خِلَاف الْقِيَاس]
فَصْلٌ [الْعُذْرُ بِالنِّسْيَانِ]
وَأَمَّا مَنْ أَكَلَ فِي صَوْمِهِ نَاسِيًا فَمَنْ قَالَ: " عَدَمُ فِطْرِهِ وَمُضِيِّهِ فِي صَوْمِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ " ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْمَأْمُورِ نَاسِيًا، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا تَرَكَهُ، كَمَا لَوْ أَحْدَثَ وَنَسِيَ حَتَّى صَلَّى، وَاَلَّذِينَ قَالُوا: " بَلْ هُوَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ " حُجَّتُهُمْ أَقْوَى؛ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَحْظُورًا نَاسِيًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اسْتَجَابَ هَذَا الدُّعَاءَ، وَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ؛ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ فَلَمْ يَفْعَلْ فِي صَوْمِهِ مُحَرَّمًا فَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ، وَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ؛ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ إنَّمَا تَبْطُلُ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ.
وَطَرْدُ هَذَا الْقِيَاسِ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ.
وَطَرْدُهُ أَيْضًا أَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي إحْرَامِهِ أَوْ صِيَامِهِ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ صِيَامُهُ وَلَا إحْرَامُهُ.
وَكَذَلِكَ مَنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ نَاسِيًا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ قَتْلِ الصَّيْدِ، فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ فَهُوَ كَدِيَةِ الْقَتِيلِ.
وَأَمَّا اللِّبَاسُ وَالطِّيبُ فَمِنْ بَابِ التَّرَفُّهِ، وَكَذَلِكَ الْحَلْقُ وَالتَّقْلِيمُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِتْلَافِ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي الْعُرْفِ.
وَطَرْدُ هَذَا الْقِيَاسِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ