للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَادُّعُوا عَنْهُمْ فَعُدُّوا مِنْهُمْ، وَسَبِيلُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولُوا مَثَلًا: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَذَا وَكَذَا، وَمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ كَذَا وَكَذَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمَنْ تَرَكَ مِنْهُمْ إضَافَةَ ذَلِكَ إلَى إمَامِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ اكْتِفَاءً مِنْهُ بِالْمَعْلُومِ عَنْ الصَّرِيحِ فَلَا بَأْسَ.

قُلْت: مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو حَسَنٌ، إلَّا أَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ " مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ " لِمَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ نَصُّهُ الَّذِي أَفْتَى بِهِ، أَوْ يَكُونُ شُهْرَتُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ شُهْرَةً لَا يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى الْوُقُوفِ عَلَى نَصِّهِ، كَشُهْرَةِ مَذْهَبِهِ فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَالْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، وَوُجُوبِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ لِلصَّوْمِ فِي الْفَرْضِ مِنْ اللَّيْلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَأَمَّا مُجَرَّدُ مَا يَجِدُ فِي كُتُبِ مَنْ انْتَسَبَ إلَى مَذْهَبِهِ مِنْ الْفُرُوعِ فَلَا يَسَعُهُ أَنْ يُضِيفَهَا إلَى نَصِّهِ وَمَذْهَبِهِ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهَا فِي كُتُبِهِمْ، فَكَمْ فِيهَا مِنْ مَسْأَلَةٍ لَا نَصَّ لَهُ فِيهَا أَلْبَتَّةَ وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؟ وَكَمْ فِيهَا مِنْ مَسْأَلَةٍ نَصُّهُ عَلَى خِلَافِهَا؟ وَكَمْ فِيهَا مِنْ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ الْمُنْتَسِبُونَ إلَيْهِ فِي إضَافَتِهَا إلَى مُقْتَضَى نَصِّهِ وَمَذْهَبِهِ؟ فَهَذَا يُضِيفُ إلَى مَذْهَبِهِ إثْبَاتَهَا، وَهَذَا يُضِيفُ إلَيْهِ نَفْيَهَا، فَلَا نَدْرِي كَيْفَ يَسَعُ الْمُفْتِيَ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ؟ .

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو " إنَّ لِهَذَا الْمُفْتِي أَنْ يَقُولَ هَذَا مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا " فَلَعَمْرُ اللَّهِ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مِنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْفُتْيَا حَتَّى يَكُونَ عَالِمًا بِمَأْخَذِ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ وَمَدَارِكِهِ وَقَوَاعِدِهِ جَمْعًا وَفَرْقًا، وَيَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مُطَابِقٌ لِأُصُولِهِ وَقَوَاعِدِهِ بَعْدَ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فِيهَا إذَا أَخْبَرَ أَنَّ هَذَا مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ كَانَ لَهُ حُكْمُ أَمْثَالِهِ مِمَّنْ قَالَ بِمَبْلَغِ عِلْمِهِ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا.

وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُفْتِي مُخْبِرٌ عَنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ إمَّا مُخْبِرٌ عَمَّا فَهِمَهُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِمَّا مُخْبِرٌ عَمَّا فَهِمَهُ مِنْ كِتَابِهِ أَوْ نُصُوصِ مَنْ قَلَّدَهُ دِينَهُ، وَهَذَا لَوْنٌ وَهَذَا لَوْنٌ، فَكَمَا لَا يَسَعُ الْأَوَّلَ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَّا بِمَا عَلِمَهُ فَكَذَا لَا يَسَعُ الثَّانِيَ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ دِينَهُ إلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[فَتَوَى الْقَاصِرُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

[هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَلَّدَ الْفَتْوَى الْمُتَفَقِّهُ الْقَاصِرُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ] الْفَائِدَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ:

إذَا تَفَقَّهَ الرَّجُلُ وَقَرَأَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ أَوْ أَكْثَرَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَاصِرٌ فِي مَعْرِفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارِ السَّلَفِ، وَالِاسْتِنْبَاطِ وَالتَّرْجِيحِ فَهَلْ يَسُوغُ تَقْلِيدُهُ فِي الْفَتْوَى؟ فِيهِ لِلنَّاسِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا، وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَالْجَوَازُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ، وَالْجَوَازُ إنْ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى مَأْخَذِ مَنْ يُفْتِي بِقَوْلِهِمْ، وَالْمَنْعُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُطَّلِعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>