أَوْ هَمٍّ مُقْلِقٍ أَوْ خَوْفٍ مُزْعِجٍ أَوْ نُعَاسٍ غَالِبٍ أَوْ شُغْلِ قَلْبٍ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ أَوْ حَالِ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ، بَلْ مَتَى أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ حَالِ اعْتِدَالِهِ وَكَمَالِ تَثَبُّتِهِ وَتَبَيُّنِهِ أَمْسَكَ عَنْ الْفَتْوَى، فَإِنْ أَفْتَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالصَّوَابِ صَحَّتْ فُتْيَاهُ.
وَلَوْ حَكَمَ فِي مِثَالِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَهَلْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ أَوْ لَا يَنْفُذُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: النُّفُوذُ، وَعَدَمُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ الْغَضَبُ بَعْدَ فَهْمِ الْحُكُومَةِ فَيَنْفُذَ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَى فَهْمِ الْحُكُومَةِ فَلَا يَنْفُذَ، وَالثَّلَاثَةُ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
[عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْعُرْفِ فِي مَسَائِلَ]
[عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْعُرْفِ فِي مَسَائِلَ] الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي الْإِقْرَارِ وَالْأَيْمَانِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ بِمَا اعْتَادَهُ هُوَ مِنْ فَهْمِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ عُرْفَ أَهْلِهَا وَالْمُتَكَلِّمِينَ بِهَا فَيَحْمِلَهَا عَلَى مَا اعْتَادُوهُ وَعَرَفُوهُ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِحَقَائِقِهَا الْأَصْلِيَّةِ، فَمَتَى لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ضَلَّ وَأَضَلَّ؛ فَلَفْظُ الدِّينَارِ عِنْدَ طَائِفَةٍ اسْمٌ لِثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ، وَعِنْدَ طَائِفَةٍ اسْمٌ لِاثْنَيْ عَشْرَ دِرْهَمًا، وَالدِّرْهَمُ عِنْدَ غَالِبِ الْبِلَادِ الْيَوْمَ اسْمٌ لِلْمَغْشُوشِ، فَإِذَا أَقَرَّ لَهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّهُ إيَّاهَا أَوْ أَصْدَقَهَا امْرَأَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُفْتِي وَلَا لِلْحَاكِمِ أَنْ يُلْزِمَهُ بِالْخَالِصَةِ، فَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ إنَّمَا يَعْرِفُونَ الْخَالِصَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُسْتَحِقَّ بِالْمَغْشُوشَةِ، وَكَذَلِكَ فِي أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَلَوْ جَرَى عُرْفُ أَهْلِ بَلَدٍ أَوْ طَائِفَةٍ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ لَفْظَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْعِفَّةِ دُونَ الْعِتْقِ، فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَمْلُوكِهِ: " إنَّهُ حُرٌّ " أَوْ عَنْ جَارِيَتِهِ: " إنَّهَا حُرَّةٌ "، وَعَادَتُهُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِي الْعِفَّةِ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ غَيْرُهَا لَمْ يُعْتَقْ بِذَلِكَ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ صَرِيحًا عِنْدَ مَنْ أَلِفَ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ إذَا جَرَى عُرْفُ طَائِفَةٍ فِي الطَّلَاقِ بِلَفْظِ التَّسْمِيحِ بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُونَ لِهَذَا الْمَعْنَى غَيْرَهُ، فَإِذَا قَالَتْ: " اسْمَحْ لِي " فَقَالَ: " سَمَحْتُ لَكَ " فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مُشَبَّعًا وَأَنَّهُ لَا يَسُوغُ أَنْ يُقْبَلَ تَفْسِيرُ مَنْ قَالَ: " لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ جَلِيلٌ، أَوْ عَظِيمٌ " بِدَانَقٍ أَوْ دِرْهَمٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمُقِرُّ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ الْمُكْثِرِينَ أَوْ الْمُلُوكِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِقَوْسٍ فِي مَحَلَّةٍ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا أَقْوَاسَ الْبُنْدُقِ أَوْ الْأَقْوَاسَ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ أَقْوَاسَ الرَّجُلِ، أَوْ حَلَفَ لَا يَشُمُّ الرَّيْحَانَ فِي مَحَلٍّ لَا يَعْرِفُونَ الرَّيْحَانَ إلَّا هَذَا الْفَارِسِيَّ، أَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فِي مَوْضِعِ عُرْفِهِمْ بِلَفْظِ الدَّابَّةِ الْحِمَارِ أَوْ الْفَرَسِ، أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَمَرًا فِي بَلَدٍ عُرْفُهُمْ فِي الثِّمَارِ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَهُ، أَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فِي بَلَدٍ عُرْفُهُمْ فِي الثِّيَابِ الْقُمُصُ وَحْدَهَا دُونَ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ وَالْجِبَابِ وَنَحْوِهَا، تَقَيَّدَتْ يَمِينُهُ بِذَلِكَ وَحْدَهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ، وَاخْتَصَّتْ بِعُرْفِهِ دُونَ مَوْضُوعِ اللَّفْظِ لُغَةً أَوْ فِي عُرْفِ غَيْرِهِ، بَلْ لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا الَّذِي لَا يَعْرِفُ التَّكَلُّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute