للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُجُودِ الْفَاضِلِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْفُقَهَاءِ، وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ؛ فَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ رَأَى أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ وَحْدَهُ، فَوُجُودُ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ كَالشَّاهِدِ، وَمَنْ مَنَعَ اسْتِفْتَاءَهُ قَالَ: الْمَقْصُودُ حُصُولُ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْإِصَابَةُ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ بِفَتْوَى الْأَعْلَمِ أَقْوَى فَيَتَعَيَّنُ، وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ بِأَنَّ الْمَفْضُولَ إنْ تَرَجَّحَ بِدِيَانَةٍ أَوْ وَرَعٍ أَوْ تَحَرٍّ لِلصَّوَابِ، وَعُدِمَ ذَلِكَ الْفَاضِلُ فَاسْتِفْتَاءُ الْمَفْضُولِ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَاسْتِفْتَاءُ الْأَعْلَمِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[التُّرْجُمَانُ عِنْدَ الْمُفْتِي]

[التُّرْجُمَانُ عِنْدَ الْمُفْتِي] الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ: إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُفْتِي لِسَانَ السَّائِلِ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْمُسْتَفْتِي لِسَانَ الْمُفْتِي أَجْزَأَ تَرْجَمَةُ وَاحِدٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مَحْضٌ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِوَاحِدٍ كَأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ [وَالطِّبِّ] وَطَرْدُ هَذَا الِاكْتِفَاءِ بِتَرْجَمَةِ الْوَاحِدِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَالرِّسَالَةِ، وَالدَّعْوَى، وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ، وَالتَّعْرِيفِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ إجْرَاءً لَهَا مَجْرَى الْخَبَرِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُقْبَلُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ، إجْرَاءً لَهَا مَجْرَى الشَّهَادَةِ، وَسُلُوكًا بِهَا سَبِيلَهَا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْإِقْرَارَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَتُثْبِتُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ وَجَرْحَهُمْ، فَافْتَقَرَتْ إلَى الْعَدَدِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَرْجَمَةِ الْفَتْوَى وَالسُّؤَالِ؛ فَإِنَّهُ خَبَرٌ مَحْضٌ، فَافْتَرَقَا.

[مَا يَصْنَعُ الْمُفْتِي فِي جَوَابِ سُؤَالٍ يَحْتَمِلُ عِدَّةَ صُوَرٍ]

[مَا يَصْنَعُ الْمُفْتِي فِي جَوَابِ سُؤَالٍ يَحْتَمِلُ عِدَّةَ صُوَرٍ] الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ: إذَا كَانَ السُّؤَالُ مُحْتَمِلًا لِصُوَرٍ عَدِيدَةٍ؛ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُفْتِي الصُّورَةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا لَمْ يُجِبْ عَنْ صُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَإِنْ عَلِمَ الصُّورَةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا فَلَهُ أَنْ يَخُصَّهَا بِالْجَوَابِ، وَلَكِنْ يُقَيَّدُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ غَيْرِهَا فَيَقُولَ: إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَيْتَ وَكَيْتَ، أَوْ كَانَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ كَذَا وَكَذَا؛ فَالْجَوَابُ كَذَا وَكَذَا، وَلَهُ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ صُورَةٍ بِجَوَابٍ؛ فَيُفَصِّلُ الْأَقْسَامَ الْمُحْتَمَلَةَ، وَيَذْكُرُ حُكْمَ كُلِّ قِسْمٍ، وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى تَعْلِيمِ الْحِيَلِ، وَفَتْحُ بَابٍ لِدُخُولِ الْمُسْتَفْتِي وَخُرُوجِهِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، الثَّانِي: أَنَّهُ سَبَبٌ لِازْدِحَامِ أَحْكَامِ تِلْكَ الْأَقْسَامِ عَلَى فَهْمِ الْعَامِّيِّ فَيَضِيعُ مَقْصُودُهُ.

وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ؛ فَيُكْرَهُ حَيْثُ اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ، وَلَا يُكْرَهُ - بَلْ يُسْتَحَبُّ - إذَا كَانَ فِيهِ زِيَادَةُ إيضَاحٍ وَبَيَانٍ وَإِزَالَةُ لَبْسٍ، «وَقَدْ فَصَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَثِيرٍ مِنْ أَجْوِبَتِهِ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ كَذَا فَالْأَمْرُ كَذَا، كَقَوْلِهِ فِي الَّذِي وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ: إنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، وَعَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>