للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِي مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا تَرَى، وَكُنْتَ أَهْوَنَ الثَّلَاثَةِ عَلَيَّ، وَكُنْتُ لَكَ مُضَيِّعًا، وَفِيكَ زَاهِدًا، فَمَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: عِنْدِي أَبِي قَرِينُكَ وَحَلِيفُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَدْخُلُ مَعَكَ قَبْرَكَ حِين تَدْخُلُهُ، وَأَخْرُجُ مِنْهُ حِينَ تَخْرُجُ مِنْهُ، وَلَا أُفَارِقُكَ أَبَدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا مَالُهُ وَأَهْلُهُ وَعَمَلُهُ، أَمَّا الْأَوَّلُ الَّذِي قَالَ خُذْنِي زَادًا فَمَالُهُ، وَالثَّانِي أَهْلُهُ، وَالثَّالِثُ عَمَلُهُ» .

وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا بِسِيَاقِ آخَرَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيٍّ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ أَحَدِكُمْ وَمَثَلُ مَالِهِ وَأَهْلِهِ وَعَمَلِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: إنَّمَا مَثَلُ أَحَدِكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَعَمَلِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا بَعْضَ إخْوَتِهِ فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِي مِنْ الْأَمْرِ مَا تَرَى، فَمَالِي عِنْدَكَ؟ وَمَا لَدَيْكَ؟ فَقَالَ: لَكَ عِنْدِي أَنْ أُمْرِضَكَ وَلَا أُزَايِلَكَ، وَأَنْ أَقُومَ بِشَأْنِكَ، فَإِذَا مِتَّ غَسَّلْتُكَ وَكَفَّنْتُكَ وَحَمَلْتُكَ مَعَ الْحَامِلِينَ، أَحْمِلُكَ طَوْرًا وَأُمِيطُ عَنْكَ طَوْرًا، فَإِذَا رَجَعْتُ أَثْنَيْتُ عَلَيْكَ بِخَيْرٍ هُنَا عِنْدَ مَنْ يَسْأَلُنِي عَنْكَ، هَذَا أَخُوهُ الَّذِي هُوَ أَهْلُهُ، فَمَا تَرَوْنَهُ؟ قَالُوا: لَا نَسْمَعُ طَائِلًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْأَخِ الْآخَرِ: أَتَرَى مَا قَدْ نَزَلَ بِي؟ فَمَالِي لَدَيْكَ؟ وَمَالِي عِنْدَكَ؟ فَيَقُولُ: لَيْسَ عِنْدِي غَنَاءٌ إلَّا وَأَنْتَ فِي الْأَحْيَاءِ، فَإِذَا مِتَّ ذَهَبَ بِكَ مَذْهَبٌ وَذَهَبَ بِي مَذْهَبٌ، هَذَا أَخُوهُ الَّذِي هُوَ مَالُهُ، كَيْف تَرَوْنَهُ؟ قَالُوا: لَا نَسْمَعُ طَائِلًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ يَقُولُ لِأَخِيهِ الْآخَرِ: أَتَرَى مَا قَدْ نَزَلَ بِي وَمَا رَدَّ عَلَيَّ أَهْلِي وَمَالِي؟ فَمَالِي عِنْدَكَ؟ وَمَا لِي لَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ فِي لَحْدِكَ، وَأَنِيسُكَ فِي وَحْشَتِكَ، وَأَقْعُدُ يَوْمَ الْوَزْنِ فِي مِيزَانِكَ فَأُثَقِّلُ مِيزَانَكَ. هَذَا أَخُوهُ الَّذِي هُوَ عَمَلُهُ، كَيْفَ تَرَوْنَهُ؟ قَالُوا: خَيْرُ أَخٍ وَخَيْرُ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَإِنَّ الْأَمْرَ هَكَذَا» .

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مَثَلُ صَاحِبِ الْمِسْكِ، إمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ يَبِيعَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْكِيرِ، إنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ شَرَرِهِ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ» ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْبَخِيلِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ - أَوْ جُنَّتَانِ - مِنْ حَدِيدٍ مِنْ لَدُنْ ثَدْيِهِمَا إلَى تَرَاقِيِهِمَا، فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ أَنْ يُنْفِقَ سَبَغَتْ عَلَيْهِ حَتَّى يَجُرَّ بَنَانَهُ وَيَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ قُلِّصَتْ وَلَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلَا تَتَّسِعُ» ، وَقَالَ: «مَثَلُ الَّذِينَ يَغْزُونَ مِنْ أُمَّتِي وَيَتَعَجَّلُونَ أُجُورَهُمْ كَمَثَلِ أُمِّ مُوسَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَتَأْخُذُ أَجْرَهَا» .

[فَصْلٌ فَائِدَةُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

قَالُوا: فَهَذِهِ وَأَمْثَالُهَا مِنْ الْأَمْثَالِ الَّتِي ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَقْرِيبِ الْمُرَادِ، وَتَفْهِيمِ الْمَعْنَى، وَإِيصَالِهِ إلَى ذِهْنِ السَّامِعِ، وَإِحْضَارِهِ فِي نَفْسِهِ بِصُورَةِ الْمِثَالِ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>