للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَالْحَجُّ وَلَوْ مِنْ أَقْصَى الْمَغْرِبِ وَالتَّصَدُّقُ بِثُلُثِ جَمِيعِ أَمْوَالِهِ وَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، ثُمَّ قَالَ جُلُّ الْأَنْدَلُسِيِّينَ: إنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ لَهُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ الْقَرَوِيُّونَ: إنَّمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَأَلْزَمَهُ بَعْضُهُمْ صَوْمَ سَنَةٍ إذَا كَانَ مُعْتَادًا لِلْحَلِفِ بِذَلِكَ، فَتَأَمَّلْ هَذَا التَّفَاوُتَ الْعَظِيمَ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَقَوْلِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.

[فَصْلٌ الْحَلِفُ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ]

فَصْلٌ

[الْحَلِفُ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ]

وَهَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِيمَا لَوْ حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ، أَوْ قَالَ: جَمِيعُ الْأَيْمَانِ تَلْزَمُنِي، أَوْ حَلَفَ بِأَشَدِّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، قَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ إنَّمَا أَلْزَمْنَاهُ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ كِسْوَةِ الْعُرْيَانِ وَإِطْعَامِ الْجِيَاعِ وَالِاعْتِكَافِ وَبِنَاءِ الثُّغُورِ وَنَحْوِهَا مُلَاحَظَةً لِمَا غَلَبَ الْحَلِفُ بِهِ عُرْفًا، فَأَلْزَمْنَاهُ بِهِ، لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى الْعُرْفِيُّ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ، وَاخْتَصَّ حَلِفُهُ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ دُونَ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا هِيَ الْمُشْتَهِرَةُ، وَلَفْظُ الْحَلِفِ وَالْيَمِينِ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا وَلَيْسَ الْمُدْرَكُ أَنَّ عَادَتَهُمْ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مُسَمَّيَاتِهَا، وَأَنَّهُمْ يَصُومُونَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ يَحُجُّونَ، بَلْ غَلَبَةُ اسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي دُونَ غَيْرِهَا، قَالُوا: وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ مَنْ كَثُرَتْ عَادَتُهُ بِالْحَلِفِ بِصَوْمِ سَنَةٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَنَةٍ، فَجَعَلُوا الْمُدْرَكَ الْحَلِفَ اللَّفْظِيَّ دُونَ الْعُرْفِيِّ النَّقْلِيِّ، قَالُوا: وَعَلَى هَذَا لَوْ اتَّفَقَ فِي وَقْتٍ آخَرَ أَنَّهُ اُشْتُهِرَ حَلِفُهُمْ وَنَذْرُهُمْ بِالِاعْتِكَافِ وَالرِّبَاطِ وَإِطْعَامِ الْجَائِعِ وَكِسْوَةِ الْعُرْيَانِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ دُونَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا لَكَانَ اللَّازِمُ لِهَذَا الْحَالِفِ إذَا حَنِثَ الِاعْتِكَافَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ، دُونَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى الْقَرَائِنِ تَدُورُ مَعَهَا كَيْفَمَا دَارَتْ، وَتَبْطُلُ مَعَهَا إذَا بَطَلَتْ، كَالْعُقُودِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُيُوبِ فِي الْأَعْوَاضِ فِي الْمُبَايَعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَوْ تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فِي النَّقْدِ وَالسِّكَّةِ إلَى سِكَّةٍ أُخْرَى لَحُمِلَ الثَّمَنُ مِنْ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى السِّكَّةِ وَالنَّقْدِ الْمُتَجَدِّدِ دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّيْءُ عَيْبًا فِي الْعَادَةِ رُدَّ بِهِ الْمَبِيعُ، فَإِنْ تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ بِحَيْثُ لَمْ يَعُدْ عَيْبًا لَمْ يُرَدَّ بِهِ الْمَبِيعُ، قَالُوا: وَبِهَذَا تُعْتَبَرُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْعَوَائِدِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، لَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي تَحْقِيقِهِ: هَلْ وُجِدَ أَمْ لَا؟ قَالُوا: وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ فِي عُرْفِنَا الْيَوْمَ الْحَلِفُ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَلَا تَكَادُ تَجِدُ أَحَدًا يَحْلِفُ، فَلَا تُسَوَّغُ الْفُتْيَا بِإِلْزَامِهِ.

[قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْعُرْفِ وَمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ] :

قَالُوا: وَعَلَى هَذَا أَبَدًا تَجِيءُ الْفَتَاوَى فِي طُولِ الْأَيَّامِ، فَمَهْمَا تَجَدَّدَ فِي الْعُرْفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>