للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى الْأَحَدِ فَأَخَذُوهَا. وَكَذَلِكَ السِّلْسِلَةُ الَّتِي كَانَتْ تَأْخُذُ بِعُنُقِ الظَّالِمِ فَاحْتَالَ لَهَا صَاحِبُ الدُّرَّةِ إذْ صَيَّرَهَا فِي قَصَبَةٍ ثُمَّ دَفَعَ الْقَصَبَةَ إلَى خَصْمِهِ وَتَقَدَّمَ إلَى السِّلْسِلَةِ لِيَأْخُذَهَا فَرُفِعَتْ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَزْجَرَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْمُتَعَاطِينَ الْحِيَلَ عَلَى الْمَنَاهِي الشَّرْعِيَّةِ مِمَّنْ تَلَبَّسَ بِعِلْمِ الْفِقْهِ وَلَيْسَ بِفَقِيهٍ؛ إذْ الْفَقِيهُ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الرِّبَوِيَّاتِ، وَاسْتِعَارَةُ التَّيْسِ الْمَلْعُونِ لِتَحْلِيلِ الْمُطَلَّقَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَظَائِمِ وَالْمَصَائِبِ الْفَاضِحَاتِ، الَّتِي لَوْ اعْتَمَدَهَا مَخْلُوقٌ مَعَ مَخْلُوقٍ لَكَانَ فِي نِهَايَةِ الْقُبْحِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ؟

وَقَالَ: وَإِذَا وَازَنَ اللَّبِيبُ بَيْنَ حِيلَةِ أَصْحَابِ السَّبْتِ، وَالْحِيَلِ الَّتِي يَتَعَاطَاهَا أَرْبَابُ الْحِيَلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَبْوَابِ ظَهَرَ لَهُ التَّفَاوُتُ وَمَرَاتِبُ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْحِيَلِ، فَإِذَا عَرَفَ قَدْرَ الشَّرْعِ، وَعَظَمَةَ الشَّارِعِ وَحِكْمَتَهُ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ شَرْعُهُ مِنْ رِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ تَبَيَّنَ لَهُ حَقِيقَةُ الْحَالِ، وَقَطَعَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَنَزَّهُ وَيَتَعَالَى أَنْ يُشَرِّعَ لِعِبَادِهِ نَقْضَ شَرْعِهِ وَحِكْمَتِهِ بِأَنْوَاعِ الْخِدَاعِ وَالِاحْتِيَالِ.

[فَصْلٌ الْجَوَابُ عَلَى شُبَهِ الَّذِينَ جَوَّزُوا الْحِيَلَ]

َ تَفْصِيلًا]

قَالُوا: وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِ فِي تَقْرِيرِ الْحِيَلِ وَالْعَمَلِ بِهَا، وَنُبَيِّنُ مَا فِيهِ، مُتَحَرِّينَ لِلْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، مُنَزِّهِينَ لِشَرِيعَةِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْخِدَاعِ وَالِاحْتِيَالِ الْمُحَرَّمِ، وَنُبَيِّنُ انْقِسَامَ الْحِيَلِ وَالطُّرُقِ إلَى مَا هُوَ كُفْرٌ مَحْضٌ، وَفِسْقٌ ظَاهِرٌ، وَمَكْرُوهٌ، وَجَائِزٌ، وَمُسْتَحَبٌّ، وَوَاجِبٌ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا، ثُمَّ نَذْكُرُ فَصْلًا نُبَيِّنُ فِيهِ التَّعْوِيضَ بِالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ: [الْكَلَامُ عَلَى قِصَّةِ أَيُّوبَ]

أَمَّا قَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] فَقَالَ شَيْخُنَا: الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ فَإِنَّ لِلْفُقَهَاءِ فِي مُوجِبِ هَذِهِ الْيَمِينِ فِي شَرْعِنَا قَوْلَيْنِ، يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ، أَحَدُهُمَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: مُوجِبُهَا الضَّرْبُ مَجْمُوعًا أَوْ مُفَرَّقًا، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِطُ مَعَ الْجَمْعِ الْوُصُولَ إلَى الْمَضْرُوبِ؛ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْفُتْيَا مُوجِبَ هَذَا اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلَيْسَ هَذَا بِحِيلَةٍ، إنَّمَا الْحِيلَةُ أَنْ يَصْرِفَ اللَّفْظَ عَنْ مُوجِبِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ مُوجِبَهُ الضَّرْبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>