للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجْعَتِهِ، وَيَزُولُ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْوَحْشَةِ، وَلَوْ قِيلَ: " إنَّ اعْتِدَادَ الْمُخْتَلِعَةِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ لِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ " لَكَانَ حَسَنًا عَلَى وَفْقِ حِكْمَةِ الشَّارِعِ، وَلَكِنَّ هَذَا مَفْقُودٌ فِي الْمَسْبِيَّةِ وَالْمُهَاجِرَةِ وَالزَّانِيَةِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ. [عِدَّةُ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَحِكْمَتُهَا]

فَإِنْ قِيلَ: فَهَبْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ قَدْ سَلِمَ لَكُمْ، فَكَيْفَ يَسْلَمُ لَكُمْ فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا؟ قِيلَ: هَذَا إنَّمَا يُرَدُّ عَلَى مَنْ جَعَلَ عِلَّةَ الْعِدَّةِ مُجَرَّدَ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَقَطْ، وَلِهَذَا أَجَابُوا عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَنَّ الْعِدَّةَ هَا هُنَا شُرِعَتْ تَعَبُّدًا مَحْضًا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ هَذَا بَعْضَ مَقَاصِدِ الْعِدَّةِ وَأَنَّ لَهَا مَقَاصِدَ أُخَرَ مِنْ تَكْمِيلِ شَأْنِ هَذَا الْعَقْدِ وَاحْتِرَامِهِ وَإِظْهَارِ خَطَرِهِ وَشَرَفِهِ فَجُعِلَ لَهُمْ حَرِيمٌ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةٍ، فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْآيِسَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي طُوِّلَتْ لَهُ الْعِدَّةُ فِي الْحَائِضِ فِي الرَّجْعِيَّةِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مَوْجُودٌ بِعَيْنِهِ فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَكَانَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْ النَّظَرَ فِي مَصْلَحَةِ الزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَعُقُوبَتِهِ وَزَجْرِهِ فِي الطَّلَاقِ الْمُحَرِّمِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ، هَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[فَصَلِّ حِكْمَةُ تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ]

فَصْلٌ

[حِكْمَةُ تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ]

وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَإِبَاحَتُهَا لَهُ بَعْدَ نِكَاحِهَا لِلثَّانِي فَلَا يَعْرِفُ حِكْمَتَهُ إلَّا مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَسْرَارِ الشَّرِيعَةِ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ؛ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: لَمَّا كَانَ إبَاحَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْهُ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِحْسَانِهِ إلَيْهِ كَانَ جَدِيرًا بِشُكْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَمُرَاعَاتِهَا، وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا، وَعَدَمِ تَعْرِيضِهَا لِلزَّوَالِ، وَتَنَوَّعَتْ الشَّرَائِعُ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَصَالِحِ الَّتِي عَلِمَهَا اللَّهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ، فَجَاءَتْ شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ بِإِبَاحَتِهَا لَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَإِذَا تَزَوَّجَتْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ سَبِيلٌ إلَيْهَا.

وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ مَا لَا يَخْفَى؛ فَإِنَّ الزَّوْجَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ الْمَرْأَةَ وَصَارَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا، وَأَنَّ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ، وَأَنَّهَا إذَا نَكَحَتْ غَيْرَهُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا، كَانَ تَمَسُّكُهُ بِهَا أَشَدَّ، وَحِذْرُهُ مِنْ مُفَارِقَتِهَا أَعْظَمَ، وَشَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ جَاءَتْ بِحَسَبِ الْأُمَّةِ الْمُوسَوِيَّةِ فِيهَا مِنْ الشِّدَّةِ وَالْإِصْرِ مَا يُنَاسِبُ حَالَهَا، ثُمَّ جَاءَتْ شَرِيعَةُ الْإِنْجِيلِ بِالْمَنْعِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>