عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْعِوَضَ، فَمَتَى لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْعِوَضَ وَعَجَزَ الْعَبْدُ عَنْهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْبَيْعِ، فَلَوْ وَقَعَ الْعِتْقُ لَمْ يُمْكِنْ رَفْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَحْصُلُ السَّيِّدُ عَلَى الْحِرْمَانِ، فَرَاعَى الشَّارِعُ مَصْلَحَةَ السَّيِّدِ وَمَصْلَحَةَ الْعَبْدِ، وَشَرَعَ الْكِتَابَةَ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَأَشَدِّهَا مُطَابَقَةً لِلْقِيَاسِ الصَّحِيحِ.
وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَبِهِ جَاءَتْ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الَّذِي لَا مُعَارِضَ لَهَا: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا عَجَزَ عَنْ الثَّمَنِ كَانَ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ، وَسَوَاءٌ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِفَلَسِهِ أَمْ لَا، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَشْتَرِطْ حُكْمَ الْحَاكِمِ، وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ، وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مَا، فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلرُّجُوعِ هُوَ الْفَلَسُ الَّذِي حَالَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَبَيْنَ الثَّمَنِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ بِدُونِ حُكْمِ الْحَاكِمِ، فَيَجِبُ تَرْتِيبُ أَثَرِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَحْضُ الْعَدْلِ وَمُوجَبُ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي السِّلْعَةِ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ بِدُونِ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِعْسَارَ عَيْبٌ فِي الذِّمَّةِ لَوْ عَلِمَ بِهِ الْبَائِعُ لَمْ يَرْضَ بِكَوْنِ مَالِهِ فِي ذِمَّةِ مُفْلِسٍ، فَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ الْمُوَافِقِ لِلنَّصِّ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَطَرْدُ هَذَا الْقِيَاسِ عَجْزُ الزَّوْجِ عَنْ الصَّدَاقِ، أَوْ عَجْزُهُ عَنْ الْوَطْءِ، وَعَجْزُهُ عَنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَطَرْدُهُ عَجْزُ الْمَرْأَةِ عَنْ الْعِوَضِ فِي الْخُلْعِ أَنَّ لِلزَّوْجِ الرَّجْعَةَ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ الْبُضْعُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعِوَضِ، وَطَرْدُهُ الصُّلْحُ عَنْ الْقِصَاصِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا يُصَالِحُ عَلَيْهِ فَلَهُ الْعَوْدُ إلَى طَلَبِ الْقِصَاصِ، فَهَذَا مُوجَبُ الْعَدْلِ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَأُصُولِهَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فَصَلِّ بَيَانُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute