لَمْ يَدْفَعْ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلَيْنِ ضَمِنَا لِرَجُلٍ مَالًا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُمَا يَبْرَآنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ إحْضَارُ وَاحِدٍ، فَإِذَا سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا فَقَدْ وُجِدَ الْإِحْضَارُ الْمَضْمُونُ فَبَرِئَا جَمِيعًا.
قَالَ الْقَاضِي: وَرُبَّمَا أَلْزَمَهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ الضَّمَانَ بِنَفْسِ الْمَطْلُوبِ، وَلَا يُجْعَلُ دَفْعُ الْآخَرِ بَرَاءَةً لِلَّذِي لَمْ يَدْفَعْ؛ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَضْمَنَا لِلطَّالِبِ هَذَا الرَّجُلَ بِنَفْسِهِ، عَلَى أَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ أَحَدُهُمَا فَهُمَا جَمِيعًا بَرِيئَانِ، فَيَتَخَلَّصُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ، أَوْ يَشْهَدَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ صَاحِبِهِ فِي دَفْعِ هَذَا الرَّجُلِ إلَى الطَّالِبِ وَالتَّبَرُّؤِ إلَيْهِ، فَإِذَا دَفَعَهُ أَحَدُهُمَا بَرِئَا جَمِيعًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلَ صَاحِبِهِ كَانَ تَسْلِيمُهُ كَتَسْلِيمِ مُوَكِّلِهِ.
[الْمِثَالُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ زَوَاجُ أَحَدِ دَائِنَيْ الْمَرْأَةِ إيَّاهَا بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ]
[زَوَاجُ أَحَدِ دَائِنَيْ الْمَرْأَةِ إيَّاهَا بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ]
الْمِثَالُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ: قَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ إبْطَالِ الْحِيَلِ: إذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ مَالٌ، وَهُمَا شَرِيكَانِ، فَتَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهَا، لَمْ يَضْمَنْ لِصَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ نَصِيبَهُ فِي ضَمَانِهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ، وَرُبَّمَا ضَمَّنَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ؛ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَهَبَ لَهَا نَصِيبَهُ مِمَّا عَلَيْهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مِقْدَارِ مَا وَهَبَهَا، ثُمَّ تَهَبَ الْمَرْأَةُ لِلزَّوْجِ الْمَهْرَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا وَهَبَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَضْمَنُ؛ لِكَوْنِهِ مُتَبَرِّعًا، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَهْرٍ، وَوَهَبَتْهُ لَهُ حَصَلَ مَقْصُودُهُ، وَتَخَلَّصَ مِنْ أَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفِينَ.
[الْمِثَالُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ حِيلَةٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ فِي يَمِينٍ]
[حِيلَةٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ فِي يَمِينٍ]
الْمِثَالُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ: لَوْ حَلَفَ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَحَلَفَ آخَرُ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا بُدَّ أَنْ تَضْمَنَ عَنِّي؛ فَالْحِيلَةُ فِي أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ، وَلَا يَحْنَثُ، أَنْ يُشَارِكَهُ وَيَشْتَرِيَ مَتَاعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ.
قَالَ الْقَاضِي: فَإِنَّهُ يَضْمَنُ عَنْ شَرِيكِهِ نِصْفَ الثَّمَنِ، وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَقْدُ الضَّمَانِ، وَمَا يَلْزَمُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَلْزَمُهُ بِعَقْدِ الضَّمَانِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلُ صَاحِبِهِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ، فَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ، فَإِنْ كَانَتْ بِحَالِهَا، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ شَرِكَةٌ، لَكِنَّهُ وَكَّلَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَاشْتَرَاهَا لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا.
[الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ الْحِيلَةُ فِي ضَمَانِ شَرِيكَيْنِ]
[حِيلَةٌ فِي ضَمَانِ شَرِيكَيْنِ]
الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ: شَرِيكَانِ شَرِكَةَ عِنَانٍ ضَمِنَا عَنْ رَجُلٍ مَالًا بِأَمْرِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَدَّى الْمَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ رَجَعَ بِهِ عَلَى شَرِيكِهِ، وَإِنْ أَدَّاهُ الْآخَرُ فَشَرِيكُهُ مِنْهُ بَرِيءٌ.