وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَمْنَعُونَ ذَلِكَ فَإِذَا بُلِيَ الرَّجُلُ بِمَنْ يَحْتَجُّ فِي التَّحْرِيمِ بِأَنَّهُ هَكَذَا فِي الْكِتَابِ، وَهَكَذَا قَالُوا، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ؛ إذْ لَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ الْأُمَّةِ إلَّا بِهِ؛ فَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ حِيلَةٍ تُؤَدِّي إلَيْهِ، فَإِنَّهَا حِيَلٌ تُؤَدِّي إلَى فِعْلِ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُ عَلَى الْأُمَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحِيلَةِ عَلَى جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ، وَنَظِيرُهَا فِي الِاحْتِيَالِ عَلَى الْمُغَارَسَةِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْأَرْضَ يَغْرِسُ فِيهَا مَا شَاءَ مِنْ الْأَشْجَارِ لِمُدَّةِ كَذَا وَكَذَا سَنَةً بِخِدْمَتِهَا، وَغَرْسِ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْأَشْجَارِ فِيهَا؛ فَإِنْ اتَّفَقَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَا لِكُلٍّ مِنْهَا غِرَاسًا مُعَيَّنًا مُقَرَّرًا جَازَ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ شَائِعًا بَيْنَهُمَا؛ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُقِرَّ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ الْغِرَاسِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ الْمُشَارَكَةِ عَلَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِجُزْءٍ مِنْ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِلْقِيَامِ عَلَيْهَا كَذَا وَكَذَا سَنَةً لِلْمُدَّةِ الَّتِي يَتَّفِقَانِ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَاشِيَةِ أَوْ ثُلُثِهَا، عَلَى حَسَبِ مَا يُجْعَلُ لَهُ مِنْ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَيُقِرَّ لَهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَاشِيَةَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا، فَيَصِيرُ دَرُّهَا وَنَسْلُهَا بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مِلْكِهِمَا، فَإِنْ خَافَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ بِمِلْكِ نِصْفِهَا حَيْثُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَهُ ذَلِكَ النِّصْفَ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يَسْتَرْهِنَهُ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ، فَإِنْ ادَّعَى الْمِلْكَ بَعْدَ هَذَا طَالَبَهُ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ ادَّعَى الْإِعْسَارَ اقْتَضَاهُ مِنْ الرَّهْنِ.
وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ أَنْ يُمَلِّكَهُ جُزْءًا مِنْ الْحَبِّ أَوْ الزَّيْتُونِ، إمَّا رُبُعُهُ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ نِصْفُهُ، فَيَصِيرُ شَرِيكَهُ فِيهِ، ثُمَّ يَطْحَنَهُ أَوْ يَعْصِرَهُ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مِلْكَيْهِمَا فِيهِ، فَإِنْ خَافَ أَنْ يُمَلِّكَهُ ذَلِكَ فَيُمَلِّكَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُحْدِثُ فِيهِ عَمَلًا؛ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَيَصِيرَ شَرِيكَهُ فِيهِ، فَإِذَا عَمِلَ فِيهِ سَلَّمَ إلَيْهِ حِصَّتَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنْ خَافَ الْأَجِيرُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالثَّمَنِ وَيَتَسَلَّمَ الْجَمِيعَ، وَلَا يُعْطِيَهُ أُجْرَتَهُ؛ فَالْحِيلَةُ فِي أَمْنِهِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَصْلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْعَمَلِ، فَإِذَا أَحْدَثَ فِيهِ الْعَمَلَ فَهُوَ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَهَكَذَا الْحِيلَةُ فِي جَمِيعِ هَذَا الْبَابِ، وَهِيَ حِيلَةٌ جَائِزَةٌ؛ فَإِنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حَقٍّ، وَلَا تَحْرِيمَ حَلَالٍ، وَلَا تَحْلِيلَ حَرَامٍ.
[الْمِثَالُ التِّسْعُونَ حِيلَةٌ فِي إسْقَاطِ الْمُحَلِّلِ فِي السِّبَاقِ]
[حِيلَةٌ فِي إسْقَاطِ الْمُحَلِّلِ فِي السِّبَاقِ]
الْمِثَالُ التِّسْعُونَ: إذَا خَرَجَ الْمُتَسَابِقَانِ فِي النِّضَالِ مَعًا جَازَ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ،، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ فَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُحَلِّلٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْمَنْقُولِ عَنْ الصِّدِّيقِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَاخْتِيَارُ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمُحَلِّلٍ، عَلَى تَفَاصِيلَ لَهُمْ فِي الْمُحَلِّلِ وَحُكْمِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِنَا الْكَبِيرِ فِي الْفُرُوسِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَذَكَرْنَا فِيهِ وَفِي كِتَابِ: " بَيَانِ الِاسْتِدْلَالِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute