للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصَلِّ حُكْمُ عَلِيٍّ فِي جَمَاعَةٍ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ وَفْقَ الْقِيَاسِ]

ِ] . وَمِمَّا أَشْكَلَ عَلَى جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَظَنُّوهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ الْقِيَاسِ الْحُكْمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ فِي الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ تَنَازَعُوا الْوَلَدَ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فِيهِ.

وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَذِهِ الْحُكُومَةَ وَنُبَيِّنُ مُطَابَقَتَهَا لِلْقِيَاسِ؛ فَذَكَرَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَلِيلِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: إنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَتَوْا عَلِيًّا يَخْتَصِمُونَ إلَيْهِ فِي وَلَدٍ قَدْ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لِاثْنَيْنِ: طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا، فَقَالَا: لَا، ثُمَّ قَالَ لِاثْنَيْنِ: طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا، فَقَالَا: لَا، ثُمَّ قَالَ لِاثْنَيْنِ: طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا، فَقَالَا: لَا، فَقَالَ: أَنْتُمْ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ، إنِّي مُقْرِعٌ بَيْنَكُمْ، فَمَنْ قُرِعَ فَلَهُ الْوَلَدُ وَعَلَيْهِ لِصَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَجَعَلَهُ لِمَنْ قُرِعَ لَهُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَضْرَاسُهُ أَوْ نَوَاجِذُهُ» . وَفِي إسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكَنْدَرِيُّ الْأَجْلَحُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إلَى عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: «أُتِيَ عَلِيٌّ بِثَلَاثَةٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لِاثْنَيْنِ: أَتُقِرَّانِ لِهَذَا؟ قَالَا: لَا، حَتَّى سَأَلَهُمْ جَمِيعًا، فَجَعَلَ كُلَّمَا سَأَلَ اثْنَيْنِ قَالَا: لَا، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِاَلَّذِي صَارَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَجَعَلَ لِصَاحِبَيْهِ عَلَيْهِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ» . وَقَدْ أُعِلَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ بِإِسْقَاطِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَيَكُونُ مُرْسَلًا، قَالَ النَّسَائِيّ: وَهَذَا أَصْوَبُ، قُلْتُ: وَهَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ، وَلَا يُوجِبُ إرْسَالًا لِلْحَدِيثِ؛ فَإِنَّ عَبْدَ خَيْرٍ سَمِعَ مِنْ عَلِيٍّ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ، فَهَبْ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْمَتْنِ، فَمِنْ أَيْنَ يَجِيءُ الْإِرْسَالُ؟

وَبَعْدُ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَذَهَبَ إلَى الْقَوْل بِهِ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَقَالَ: هُوَ السُّنَّةُ فِي دَعْوَى الْوَلَدِ.

وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِهِ فِي الْقَدِيمِ.

وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَسُئِلَ عَنْهُ فَرَجَّحَ عَلَيْهِ حَدِيثَ الْقَافَةِ وَقَالَ: حَدِيثُ الْقَافَةِ أَحَبُّ إلَيَّ.

وَهَاهُنَا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا دُخُولُ الْقُرْعَةِ فِي النَّسَبِ.

وَالثَّانِي: تَغْرِيمُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ثُلُثَيْ دِيَةِ وَلَدِهِ لِصَاحِبَيْهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا بَعِيدٌ عَنْ الْقِيَاسِ؛ فَلِذَلِكَ قَالُوا: هَذَا مِنْ أَبْعَدِ شَيْءٍ عَنْ الْقِيَاسِ.

فَيُقَالُ: الْقُرْعَةُ قَدْ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ فُقْدَانِ مُرَجِّحٍ سِوَاهَا مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ قَافَةٍ، وَلَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>