للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَضَى عَلَيْهَا سَلَفُهُمْ، وَيَنْتَظِرُهَا خَلَفُهُمْ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} [الأحزاب: ٢٣] وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

[الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ نَفَقَةُ الْمَبْتُوتَةِ وَسُكْنَاهَا]

[نَفَقَةُ الْمَبْتُوتَةِ وَسُكْنَاهَا]

الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ الْبَائِنَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لَمْ تَجِبْ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، فَإِنْ خَافَ أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَتَغَيَّبَ مُدَّةَ الْعِدَّةِ، فَإِذَا رَفَعَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُحْكَمْ بِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، كَمَا يَقُولُ الْأَكْثَرُونَ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ، وَكَمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي نَفَقَةِ الْعَبْدِ وَالْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ؛ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ إلَى إسْقَاطِ مَا أَسْقَطَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، بِخِلَافِ الْحِيلَةِ عَلَى إسْقَاطِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهَذِهِ لَوْنٌ وَتِلْكَ لَوْنٌ، فَإِنْ لَمْ تُمْكِنْهُ الْغَيْبَةُ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا إلَى حَاكِمٍ يَحْكُمُ بِسُقُوطِ ذَلِكَ فَعَلَ.

وَالْحِيلَةُ فِي أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ بِذَلِكَ أَنْ يُنْشِئَ الطَّلَاقَ أَوْ يُقِرَّ بِهِ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ يَسْأَلَهُ الْحُكْمَ بِمَا يَرَاهُ مِنْ سُقُوطِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى بِهَذِهِ الْفُرْقَةِ، مَعَ عِلْمِهِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ بَدَرَتْهُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى وُجُوبَهَا فَقَدْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ وُجُوهُ الْحِيَلِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا حِيلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ دَعْوَاهُ أَنَّهَا [كَانَتْ] بَانَتْ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَأَنَّهُ نَسِيَ سَبَبَ الْبَيْنُونَةِ. وَهَذِهِ الْحِيلَةُ تَدْخُلُ فِي قِسْمِ التَّوَصُّلِ إلَى الْجَائِزِ بِالْمَحْظُورِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظَائِرُهُ.

[الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ الضَّمَانُ وَأَثَرُهُ]

[الضَّمَانُ وَأَثَرُهُ]

الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الضَّمَانِ، هَلْ هُوَ تَعَدُّدٌ لِمَحَلِّ الْحَقِّ وَقِيَامٌ لِلضَّمِينِ مَقَامَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ أَوْ هُوَ اسْتِيثَاقٌ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ، يَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِي مُطَالَبَةِ الضَّامِنِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ مُطَالَبَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ - وَهُمْ الْجُمْهُورُ - قَالُوا: لِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي قَالَ: لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ مُطَالَبَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِثَلَاثِ حُجَجٍ؛ إحْدَاهَا: أَنَّ الضَّامِنَ فَرْعٌ، وَالْمَضْمُونُ عَنْهُ أَصْلٌ، وَقَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْفُرُوعَ وَالْأَبْدَالَ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأُصُولِ كَالتُّرَابِ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَشَاهِدِ الْفَرْعِ مَعَ شَاهِدِ الْأَصْلِ. وَقَدْ اطَّرَدَ هَذَا فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ، لَا يَلِي فَرْعٌ مَعَ أَصْلِهِ وَلَا يَرِثُ مَعَهُ. الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْكَفَالَةَ تَوْثِقَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>