للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصَلِّ حِكْمَةُ الِاكْتِفَاءِ فِي الْقَتْلِ بِشَاهِدَيْنِ دُونَ الزِّنَا]

وَأَمَّا اكْتِفَاؤُهُ فِي الْقَتْلِ بِشَاهِدَيْنِ دُونَ الزِّنَا فَفِي غَايَةِ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ؛ فَإِنَّ الشَّارِعَ احْتَاطَ لِلْقِصَاصِ وَالدِّمَاءِ وَاحْتَاطَ لِحَدِّ الزِّنَا، فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ فِي الْقَتْلِ إلَّا أَرْبَعَةً لَضَاعَتْ الدِّمَاءُ، وَتَوَاثَبَ الْعَادُونَ، وَتَجَرَّءُوا عَلَى الْقَتْلِ؛ وَأَمَّا الزِّنَا فَإِنَّهُ بَالَغَ فِي سَتْرِهِ كَمَا قَدَّرَ اللَّهُ سَتْرَهُ، فَاجْتَمَعَ عَلَى سَتْرِهِ شَرْعُ اللَّهِ وَقَدَّرَهُ، فَلَمْ يَقْبَلْ فِيهِ إلَّا أَرْبَعَةً يَصِفُونَ الْفِعْلَ وَصْفَ مُشَاهَدَةٍ يَنْتَفِي مَعَهَا الِاحْتِمَالُ؛ وَكَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ، لَمْ يَكْتَفِ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ حِرْصًا عَلَى سَتْرِ مَا قَدَّرَ اللَّهُ سَتْرَهُ، وَكَرِهَ إظْهَارَهُ، وَالتَّكَلُّمَ بِهِ، وَتَوَعَّدَ مَنْ يُحِبُّ إشَاعَتَهُ فِي الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

[فَصَلِّ الْحِكْمَةُ فِي جَلْدِ قَاذِفِ الْحُرِّ دُونَ الْعَبْدِ]

وَأَمَّا جَلْدُ قَاذِفِ الْحُرِّ دُونَ الْعَبْدِ فَتَفْرِيقٌ لِشَرْعِهِ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِهِ، فَمَا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعَبْدَ كَالْحُرِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا قَدَرًا وَلَا شَرْعًا، وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ الْأَمْثَالَ الَّتِي أَخْبَرَ فِيهَا بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَ أَنْ تُسَاوِيَهُمْ عَبِيدُهُمْ فِي أَرْزَاقِهِمْ، فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَضَّلَ بَعْضَ خَلْقِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَفَضَّلَ الْأَحْرَارَ عَلَى الْعَبِيدِ فِي الْمِلْكِ وَأَسْبَابِهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَجَعَلَ الْعَبْدَ مَمْلُوكًا وَالْحُرَّ مَالِكًا، وَلَا يَسْتَوِي الْمَالِكُ وَالْمَمْلُوكُ.

وَأَمَّا التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي أَحْكَامِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فَذَلِكَ مُوجِبُ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ؛ فَإِنَّهُ يَوْمَ الْجَزَاءِ لَا يَبْقَى هُنَاكَ عَبْدٌ وَحُرٌّ وَلَا مَالِكٌ وَلَا مَمْلُوكٌ.

[فَصَلِّ الْحِكْمَةُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ عِدَّةِ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ]

وَأَمَّا تَفْرِيقُهُ فِي الْعِدَّةِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ، وَعِدَّةِ الْحُرَّةِ وَعِدَّةِ الْأَمَةِ، وَبَيْنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدَّةِ، مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، فَهَذَا إنَّمَا يَتَبَيَّنُ وَجْهُهُ إذَا عُرِفَتْ الْحِكْمَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا شُرِعَتْ الْعِدَّةُ وَعُرِفَ أَجْنَاسُ الْعِدَدِ وَأَنْوَاعُهَا.

[الْحُكْمُ فِي الْعِدَّةِ]

فَأَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فَفِي شَرْعِ الْعِدَّةِ عِدَّةُ حِكَمٍ: مِنْهَا الْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَأَنْ لَا يَجْتَمِعَ مَاءُ الْوَاطِئَيْنِ فَأَكْثَرُ فِي رَحِمٍ وَاحِدٍ، فَتَخْتَلِطُ الْأَنْسَابُ وَتَفْسُدُ وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ مَا تَمْنَعُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>