للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرِيعَةُ وَالْحِكْمَةُ.

وَمِنْهَا تَعْظِيمُ خَطَرِ هَذَا الْعَقْدِ، وَرَفْعُ قَدْرِهِ، وَإِظْهَارُ شَرَفِهِ.

وَمِنْهَا تَطْوِيلُ زَمَانِ الرَّجْعَةِ لِلْمُطْلَقِ؛ إذْ لَعَلَّهُ أَنْ يَنْدَمَ وَيَفِيءَ فَيُصَادِفُ زَمَنًا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الرَّجْعَةِ.

وَمِنْهَا قَضَاءُ حَقِّ الزَّوْجِ، وَإِظْهَارُ تَأْثِيرِ فَقْدِهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّزَيُّنِ وَالتَّجَمُّلِ، وَلِذَلِكَ شَرَعَ الْإِحْدَادَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الْإِحْدَادِ عَلَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ.

وَمِنْهَا الِاحْتِيَاطُ لِحَقِّ الزَّوْجِ، وَمَصْلَحَةِ الزَّوْجَةِ، وَحَقِّ الْوَلَدِ، وَالْقِيَامِ بِحَقِّ اللَّهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ؛ فَفِي الْعِدَّةِ أَرْبَعَةُ حُقُوقٍ، وَقَدْ أَقَامَ الشَّارِعُ الْمَوْتَ مَقَامَ الدُّخُولِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ النِّكَاحَ مُدَّتُهُ الْعُمْرُ، وَلِهَذَا أُقِيمُ مَقَامَ الدُّخُولِ فِي تَكْمِيلِ الصَّدَاقِ، وَفِي تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمِنْ بَعْدِهِمْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ؛ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِدَّةِ مُجَرَّدُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، بَلْ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ مَقَاصِدِهَا وَحِكَمِهَا.

[أَجْنَاسُ الْعِدَدِ]

الْمَقَامُ الثَّانِي فِي أَجْنَاسِهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَخَامِسٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْجِنْسُ الْأَوَّلُ: أُمُّ بَابِ الْعِدَّةِ، {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] الثَّانِي: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] الثَّالِثُ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] الرَّابِعُ: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: ٤] الْخَامِسُ: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةٍ» وَمُقَدَّمُ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ كُلِّهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهَا كُلِّهَا وَضْعُ الْحَمْلِ، فَإِذَا وُجِدَ فَالْحُكْمُ لَهُ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَ بَيْنَ السَّلَفِ نِزَاعٌ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ، ثَمَّ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى انْقِضَائِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ؛ وَأَمَّا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَتَجِبُ بِالْمَوْتِ، سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ عُمُومُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَاتِّفَاقُ النَّاسِ؛ فَإِنَّ الْمَوْتَ لَمَّا كَانَ انْتِهَاءَ الْعَقْدِ وَانْقِضَاءَهُ اسْتَقَرَّتْ بِهِ الْأَحْكَامُ: مِنْ التَّوَارُثِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِالْعِدَّةِ هَا هُنَا مُجَرَّدَ اسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ؛ لِوُجُوبِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلِحُصُولِ الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِاسْتِوَاءِ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَذَوَاتِ الْقُرُوءِ فِي مُدَّتِهَا، فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ تَعَبُّدٌ مَحْضٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ حُكْمٌ وَاحِدٌ إلَّا وَلَهُ مَعْنًى وَحِكْمَةٌ يَعْقِلُهُ مَنْ عَقَلَهُ وَيَخْفَى عَلَى مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ.

وَمِنْهَا أَنَّ الْعِدَدَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ؛ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ وَالْعَاقِلَةِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ، وَلَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ.

وَمِنْهَا أَنَّ رِعَايَةَ حَقِّ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجِ الثَّانِي ظَاهِرٌ فِيهَا؛ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: هِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>