للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَعَلَى هَذَا فَمَنْ تَابَ مِنْ الذَّنْبِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَتْ عَنْهُ حُقُوقُ اللَّهِ - تَعَالَى - كَمَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُحَارِبِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.

«وَسَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ فَقَالَ: أَصَبْتُ مِنْ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَنَزَلَتْ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: ١١٤] فَقَالَ الرَّجُلُ: إلَيَّ هَذِهِ؟ فَقَالَ: بَلْ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَرَى أَنَّ التَّعْزِيرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَأَنَّ لِلْإِمَامِ إسْقَاطَهُ، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ، فَتَأَمَّلْهُ.

«وَخَرَجَتْ امْرَأَةٌ تُرِيدُ الصَّلَاةَ، فَتَجَلَّلَهَا رَجُلٌ فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا، فَصَاحَتْ وَفَرَّ، وَمَرَّ عَلَيْهَا غَيْرُهُ فَأَخَذُوهُ؛ فَظَنَّتْ أَنَّهُ هُوَ وَقَالَتْ: هَذَا الَّذِي فَعَلَ بِي، فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ؛ فَقَامَ صَاحِبُهَا الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: أَنَا صَاحِبُهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبِي فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكِ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ قَوْلًا حَسَنًا، فَقَالُوا: أَلَا تَرْجُمُ صَاحِبَهَا؟ فَقَالَ لَا، لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَقُبِلَ مِنْهُمْ» ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ، وَلَا فَتْوَى وَلَا حُكْمَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَمَرَ بِرَجْمِ الْبَرِيءِ؟ قِيلَ: لَوْ أَنْكَرَ لَمْ يَرْجُمْهُ؛ وَلَكِنْ لَمَّا أُخِذَ وَقَالَتْ: هُوَ هَذَا، وَلَمْ يُنْكِرْ، وَلَمْ يَحْتَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، فَاتَّفَقَ مَجِيءُ الْقَوْمِ بِهِ فِي صُورَةِ الْمُرِيبِ، وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ هَذَا هُوَ، وَسُكُوتُهُ سُكُوتَ الْمُرِيبِ، وَهَذِهِ الْقَرَائِنُ أَقْوَى مِنْ قَرَائِنِ حَدِّ الْمَرْأَةِ بِلِعَانِ الرَّجُلِ وَسُكُوتِهَا، فَتَأَمَّلْهُ.

[أَثَرُ اللَّوَثِ فِي التَّشْرِيعِ]

[أَثَرُ اللَّوَثِ فِي التَّشْرِيعِ] وَلِلَّوْثِ تَأْثِيرٌ فِي الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ وَالْأَمْوَالِ: أَمَّا الدِّمَاءُ فَفِي الْقَسَامَةِ، وَأَمَّا الْحُدُودُ فَفِي اللِّعَانِ، وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَفِي قِصَّةِ الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ وَالْوَصِيَّيْنِ ظَلَمَا وَغَدَرَا أَنْ يَحْلِفَ اثْنَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمَا، وَيَقْضِيَ لَهُمْ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي لَا حُكْمَ غَيْرَهُ؛ فَإِنَّ اللَّوَثَ إذَا أَثَّرَ فِي إرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَإِزْهَاقِ النُّفُوسِ وَفِي الْحُدُودِ فَلَأَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي الْمَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَقَدْ حَكَمَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد فِي النَّسَبِ مَعَ اعْتِرَافِ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدِهَا، بَلْ هُوَ وَلَدُ الْأُخْرَى، فَقَالَ لَهَا: " هُوَ ابْنُكِ " وَمِنْ تَرَاجِمِ النَّسَائِيّ عَلَى قِصَّتِهِ: " التَّوْسِعَةُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لِلشَّيْءِ الَّذِي لَا يَفْعَلُهُ أَفْعَلُ كَذَا لِيَسْتَبِينَ بِهِ الْحَقَّ " ثُمَّ تَرْجَمَ عَلَيْهِ تَرْجَمَةً أُخْرَى فَقَالَ: " الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا يَعْتَرِفُ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ إذَا تَبَيَّنَ لِلْحَاكِمِ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ " وَهَذَا هُوَ الْعِلْمُ اسْتِنْبَاطًا

<<  <  ج: ص:  >  >>