للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ قَوِيٌّ مُتَّجِهٌ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمِينِهِ، لَكِنْ إذَا صَدَّقَهُ الْمَالِكُ فِي التَّلَفِ بِأَمْرٍ لَا يُنْسَبُ فِيهِ إلَى تَفْرِيطٍ فَعَدَمُ التَّضْمِينِ أَقْوَى.

فَالْحِيلَةُ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ أَنْ يَشْتَرِطَ نَفْيَهُ، فَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَفِيَ لَهُ بِالشَّرْطِ فَلَهُ حِيلَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى ادَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْعَيْنِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فَدَعْوَاك بَاطِلَةٌ. فَإِنْ لَمْ تَصْعَدْ مَعَهُ هَذِهِ الْحِيلَةُ أَوْ خَافَ مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ الدَّعْوَى فَلَهُ حِيلَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَيْنَ مِنْهُ بِأَقَلِّ شَيْءٍ لِلْمُدَّةِ الَّتِي يُرِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهَا، أَوْ يَسْتَأْجِرَهَا مِنْهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَضَ الْأُجْرَةَ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهَا، فَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْحِيلَةُ مِمَّا تُحَلِّلُ حَرَامًا أَوْ تُحَرِّمُ حَلَالًا

[الْمِثَالُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ وَالْعَارِيَّةِ إذَا أَجَّلَهَا]

؛ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَتَأَجَّلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالتَّأْجِيلِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ مَتَى شَاءَ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَتَأَجَّلُ بِالتَّأْجِيلِ، فَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُؤَجِّلْ ضَرَبَ لَهُ أَجَلَ مِثْلِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ مَذْكُورَةٍ مِنْ مَوْضِعِهَا.

[الْحِيلَةٌ فِي لُزُومِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ وَالْعَارِيَّةِ] : وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْمُسْتَقْرِضُ وَالْمُسْتَعِيرُ آمِنٌ مِنْ غَدْرِ الْمُقْرِضِ غَنِيٌّ عَنْ الْحِيلَةِ لِلُّزُومِ الْأَجَلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَالْحِيلَةُ فِي لُزُومِ التَّأْجِيلِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى مُدَّةِ كَذَا وَكَذَا، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَى مُدَّةِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ أَرَادَ حِيلَةً غَيْرَ هَذِهِ فَلْيَسْتَأْجِرْ مِنْهُ الْعَيْنَ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ ثُمَّ يُبْرِئْهُ مِنْ الْأُجْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْقَرْضُ فَالْحِيلَةُ فِي تَأْجِيلِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُقْرِضِ شَيْئًا مَا بِمَبْلَغِ الْقَرْضِ ثُمَّ يَكْتُبَهُ مُؤَجَّلًا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ عَلَى أَمْرٍ جَائِزٍ لَا يَبْطُلُ بِهَا حَقٌّ فَلَا تُكْرَهُ.

[الْمِثَالُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ الْحِيلَةُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ]

[حِيلَةٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ]

الْمِثَالُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: إذَا رَهَنَهُ رَهْنًا بِدَيْنٍ، وَقَالَ: " إنْ وَفَيْتُك الدَّيْنَ إلَى كَذَا وَكَذَا، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك بِمَا عَلَيْهِ " صَحَّ ذَلِكَ، وَفَعَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: أَلَّا يُغْلَقَ الرَّهْنُ " وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ فَإِنَّ هَذَا كَانَ مُوجِبَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَمَلَّكُ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ إذَا لَمْ يُوفِهِ؛ فَهَذَا هُوَ غَلْقُ الرَّهْنِ الَّذِي أَبْطَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا بَيْعُهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَا عَلَيْهِ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>