رِوَايَتَانِ، بَلْ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ فِي قَرَابَتِهِ وَوَلَائِهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْر عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ أَنَّهُ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: لَمْ تَزَلْ قُضَاةُ الْإِسْلَامِ عَلَى هَذَا، وَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُ الشَّاهِدِ لِظَنِّ صِدْقِهِ، فَإِذَا كَانَ مُتَّهَمًا عَارَضَتْ التُّهْمَةُ الظَّنَّ، فَبَقِيَتْ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ لَيْسَ لَهَا مُعَارِضٌ مُقَاوِمٌ
[فَصْلٌ شَهَادَةُ مَسْتُورِ الْحَالِ]
وَقَوْلُهُ: " فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَوَلَّى مِنْ الْعِبَادِ السَّرَائِرَ وَسَتَرَ عَلَيْهِمْ الْحُدُودَ إلَّا بِالْبَيِّنَاتِ " يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ ظَهَرَتْ لَنَا مِنْهُ عَلَانِيَةُ خَيْرٍ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ وَوَكَلْنَا سَرِيرَتَهُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَجْعَلْ أَحْكَامَ الدُّنْيَا عَلَى السَّرَائِرِ، بَلْ عَلَى الظَّوَاهِرِ، وَالسَّرَائِرُ تَبَعٌ لَهَا، وَأَمَّا أَحْكَامُ الْآخِرَةِ فَعَلَى السَّرَائِرِ، وَالظَّوَاهِرُ تَبَعٌ لَهَا.
وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِقَوْلِ عُمَرَ هَذَا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: " وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " ثُمَّ قَالَ: " فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنْ عِبَادِهِ السَّرَائِرَ، وَسَتَرَ عَلَيْهِمْ الْحُدُودَ " وَلَا يَدُلُّ كَلَامُهُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ، بَلْ قَدْ رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ ثنا الْحَجَّاجُ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا يُوسِرَ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ بِشُهَدَاءِ السُّوءِ؛ فَإِنَّا لَا نَقْبَلُ إلَّا الْعُدُولَ وَثَنًا إِسْحَاقُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَللَّهِ لَا يُوسِرَنَّ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ وَثَنًا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي فِرَاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: مَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا ظَنَنَّا بِهِ خَيْرًا وَأَحْبَبْنَاهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا شَرًّا ظَنَنَّا بِهِ شَرًّا وَأَبْغَضْنَاهُ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: " وَسَتَرَ عَلَيْهِمْ الْحُدُودَ " يَعْنِي الْمَحَارِمَ، وَهِيَ حُدُودُ اللَّهِ الَّتِي نَهَى عَنْ قُرْبَانِهَا، وَالْحَدُّ يُرَادُ بِهِ الذَّنْبُ تَارَةً وَالْعُقُوبَةُ أُخْرَى.
وَقَوْلُهُ: " إلَّا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْأَيْمَانِ " يُرِيدُ بِالْبَيِّنَاتِ الْأَدِلَّةَ وَالشَّوَاهِدَ، فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ الْحَدُّ فِي الزِّنَا بِالْحَبَلِ، فَهُوَ بَيِّنَةٌ صَادِقَةٌ، بَلْ هُوَ أَصْدَقُ مِنْ الشُّهُودِ، وَكَذَلِكَ رَائِحَةُ الْخَمْرِ بَيِّنَةٌ عَلَى شُرْبِهَا عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَاءِ أَهْل الْمَدِينَةِ وَأَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute