الْوَاقِفِ لِأَجْلِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ فِعْلُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ تَنَاوُلِ الْوَقْفِ، بَلْ تَرَكَ مَا أَوْجَبَهُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْوَقْفِ، فَلَا نَصَّ وَلَا قِيَاسَ وَلَا مَصْلَحَةَ لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَا مَرْضَاةَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ بَعْضِ مَا فِي الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي هُوَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ عِنْدِهِ فَإِنَّهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فَصْلٌ هَلْ فِي اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ قِصَاصٌ]
وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَمُتَأَخِّرُو أَصْحَابِ أَحْمَدَ: إنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِيرُ، وَحَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ، وَخَرَجُوا عَنْ مَحْضِ الْقِيَاسِ وَمُوجَبِ النُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ ضَمَانَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ مَبْنَاهُ عَلَى الْعَدْلِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] وَقَالَ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وَقَالَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] فَأَمَرَ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي الْعُقُوبَةِ وَالْقِصَاصِ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَالْأَمْثَلُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، فَهَذَا الْمَلْطُومُ الْمَضْرُوبُ قَدْ اُعْتُدِيَ عَلَيْهِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَفْعَلَ بِالْمُعْتَدِي كَمَا فَعَلَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَانَ الْوَاجِبُ مَا هُوَ الْأَقْرَبُ وَالْأَمْثَلُ، وَسَقَطَ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ الْمُسَاوَاةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ لَطْمَةً بِلَطْمَةٍ وَضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ فِي مَحَلِّهِمَا بِالْآلَةِ الَّتِي لَطَمَهُ بِهَا، أَوْ بِمِثْلِهَا أَقْرَبُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا حِسًّا وَشَرْعًا مِنْ تَعْزِيرِهِ بِهَا بِغَيْرِ جِنْسِ اعْتِدَائِهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَهَذَا هُوَ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَمَحْضُ الْقِيَاسِ وَهُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَمَنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ نَصِّ مَذْهَبِهِ وَأُصُولِهِ كَمَا خَرَجَ عَنْ مَحْضِ الْقِيَاسِ وَالْمِيزَانِ، قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُتَرْجِمِ لَهُ " بَابٌ فِي الْقِصَاصِ مِنْ اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ ": حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ الْقِصَاصِ مِنْ اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ، فَقَالَ: " عَلَيْهِ الْقَوَدُ مِنْ اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ " وَبِهِ قَالَ أَبُو دَاوُد وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْجُوزَجَانِيُّ " وَبِهِ أَقُولُ، لَمَّا حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: لَطَمَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا يَوْمًا لَطْمَةً، فَقَالَ لَهُ: اقْتَصَّ، فَعَفَا الرَّجُلُ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ أَنْبَأَ شُعْبَةُ عَنْ مُخَارِقٍ قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقًا يَقُولُ: لَطَمَ ابْنُ أَخٍ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute