سُلْطَانٍ الَّتِي كُلُّ مَا لَهَا فِي نُمُوٍّ وَزِيَادَةٍ وَتَوْلِيدٍ، وَالدِّينُ كُلُّ مَا لَهُ فِي غُرْبَةٍ وَنُقْصَانٍ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: قَوْلُكُمْ: " قَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى تَقْلِيدِ الزَّوْجِ لِمَنْ يُهْدِي إلَيْهِ زَوْجَتَهُ لَيْلَةَ الدُّخُولِ، وَعَلَى تَقْلِيدِ الْأَعْمَى فِي الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ، وَتَقْلِيدِ الْمُؤَذِّنِينَ، وَتَقْلِيدِ الْأَئِمَّةِ فِي الطَّهَارَةِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَتَقْلِيدِ الزَّوْجَةِ فِي انْقِطَاعِ دَمِهَا وَوَطْئِهَا وَتَزْوِيجِهَا ".
[أُمُورٌ قِيلَ هِيَ تَقْلِيدٌ وَلَيْسَتْ بِهِ]
فَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ اسْتِدْلَالَكُمْ بِهَذَا مِنْ بَابِ الْمَغَالِيطِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّقْلِيدِ الْمَذْمُومِ عَلَى لِسَانِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي شَيْءٍ، وَنَحْنُ لَمْ نَرْجِعْ إلَى أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ لِكَوْنِهِمْ أَخْبَرُوا بِهَا، بَلْ لِأَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَمَرَ بِقَبُولِ قَوْلِهِمْ وَجَعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ؛ فَإِخْبَارُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ، فَأَيْنَ فِي هَذَا مَا يُسَوِّغُ التَّقْلِيدَ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَنَصْبَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِيزَانًا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ؟
الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: قَوْلُكُمْ: «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ أَنْ يُقَلِّدَ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ وَزَوْجَتَهُ» فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ فَأَنْتُمْ لَا تُقَلِّدُونَهَا فِي ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا تَأْخُذُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَتَتْرُكُونَهُ تَقْلِيدًا لِمَنْ قَلَّدْتُمُوهُ دِينَكُمْ، وَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّقْلِيدِ فِي دِينِ اللَّهِ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا بِمَنْزِلَةِ قَبُولِ خَبَرِ الْمُخْبِرِ عَنْ أَمْرٍ حِسِّيٍّ يُخْبِرُ بِهِ، وَبِمَنْزِلَةِ قَبُولِ الشَّاهِدِ؟ وَهَلْ كَانَ مُفَارَقَةُ عُقْبَةَ لَهَا تَقْلِيدًا لِتِلْكَ الْأَمَةِ أَوْ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ حَيْثُ أَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا؟ فَمِنْ بَرَكَةِ التَّقْلِيدِ أَنَّكُمْ لَا تَأْمُرُونَهُ بِفِرَاقِهَا، وَتَقُولُونَ: هِيَ زَوْجَتُك حَلَالٌ وَطْؤُهَا، وَأَمَّا نَحْنُ فَمِنْ حُقُوقِ الدَّلِيلِ عَلَيْنَا أَنْ نَأْمُرَ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ سَوَاءٌ، وَلَا نَتْرُكُ الْحَدِيثَ تَقْلِيدًا لِأَحَدٍ.
[الرَّدُّ عَلَى دَعْوَى أَنَّ الْأَئِمَّةَ قَالُوا بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ]
الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: قَوْلُكُمْ: " قَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ كَمَا قَالَ سُفْيَانُ: إذَا رَأَيْت الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ وَأَنْتَ تَرَى غَيْرَهُ فَلَا تَنْهَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَجُوزُ لِلْعَالِمِ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ مِثْلِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ: قُلْته تَقْلِيدًا لِعُمَرَ، وَقُلْته تَقْلِيدًا لِعُثْمَانَ، وَقُلْته تَقْلِيدًا لِعَطَاءٍ ".
جَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّكُمْ إنْ ادَّعَيْتُمْ أَنَّ جَمِيعَ الْعُلَمَاءِ صَرَّحُوا بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ فَدَعْوَى بَاطِلَةٌ، فَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ فِي ذَمِّ التَّقْلِيدِ وَأَهْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute