رَفَعَ صَوْتَهُ بِآمِينَ» وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد عَنْ «بِلَالٍ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» .
قَالَ الرَّبِيعُ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ: هَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِآمِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيَرْفَعُ بِهَا مَنْ خَلْفَهُ أَصْوَاتَهُمْ، فَقُلْت: وَمَا الْحُجَّةُ؟ فَقَالَ: أَنْبَأَنَا مَالِكٌ، وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَى صِحَّتِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ الْإِمَامَ أَنْ يَجْهَرَ بِآمِينَ؛ لِأَنَّ مَنْ خَلْفَهُ لَا يَعْرِفُونَ وَقْتَ تَأْمِينِهِ إلَّا بِأَنْ يَسْمَعَ تَأْمِينَهُ، ثُمَّ بَيَّنَهُ ابْنُ شِهَابٍ فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: آمِينَ» ، فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِآمِينَ، فَقَالَ: هَذَا خِلَافُ مَا رَوَى صَاحِبُنَا وَصَاحِبُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ عِلْمٌ إلَّا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَدِلَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْهَرُ بِآمِينَ، وَأَنَّهُ أَمَرَ الْإِمَامَ أَنْ يَجْهَرَ بِهَا، فَكَيْفَ وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ؟ وَرَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ يَقُولُ آمِينَ يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ» وَيَحْكِي مَدَّهُ إيَّاهَا.
وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ لِلْإِمَامِ: لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ، وَكَانَ يُؤَذِّنُ لَهُ، أَنْبَأَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: كُنْت أَسْمَعُ الْأَئِمَّةَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَمَنْ بَعْدَهُ يَقُولُونَ: آمِينَ وَمَنْ خَلَفَهُمْ آمِينَ، حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلُجَّةً.
وَقَوْلُهُ: «كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ لِلْإِمَامِ لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» يُرِيدُ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُؤَذِّنُ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْبِقَهُ بِالضَّالِّينَ، حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَى الصَّفِّ، فَكَانَ مَرْوَانُ إذَا قَالَ: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (آمِينَ) يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ، وَقَالَ: إذَا وَافَقَ تَأْمِينُ أَهْلِ الْأَرْضِ تَأْمِينَ أَهْلِ السَّمَاءِ غُفِرَ لَهُمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ: أَدْرَكْت مِائَتَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْمَسْجِدِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] سَمِعْت لَهُمْ رَجَّةً بِآمِينَ. فَرُدَّ هَذَا كُلُّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] وَاَلَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ هُوَ الَّذِي رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّأْمِينِ، وَاَلَّذِينَ أُمِرُوا بِهَا رَفَعُوا بِهِ أَصْوَاتَهُمْ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْآيَةِ وَالسُّنَّةِ بِوَجْهٍ مَا.
[تُرِكَ الْقَوْلُ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى]
[بَيَانُ صَلَاةِ الْوُسْطَى]
الْمِثَالُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: تُرِكَ الْقَوْلُ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ، بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] وَهَذَا عَجَبٌ مِنْ الْعَجَبِ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ تَرْكُهَا بِأَنَّ فِي مُصْحَفِ عَائِشَةَ: وَصَلَاةُ الْعَصْرِ وَأَعْجَبُ مِنْهُمَا تَرْكُهَا بِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ تُقَامُ فِي شِدَّةِ الْحُرِّ وَهِيَ فِي وَسَطِ النَّهَارِ، فَأَكَّدَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨] وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ تَرْكُهَا بِأَنَّ الْمَغْرِبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute