أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَلَا لُقَطَةُ مَالِ الْمُعَاهَدِ» وَفِي لَفْظٍ: «يُوشِكُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيُحَدِّثُ بِحَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالًا اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَاهُ فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ، وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَقَالَ صَالِحُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي قَدْ خَلَّفْت فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَيَرُدُّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، بَلْ سُكُوتُهُ عَمَّا نَطَقَ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَطَّرِدَ ذَلِكَ وَلَا الَّذِينَ أَصَّلُوا هَذَا الْأَصْلَ، بَلْ قَدْ نَقَضُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ مَوْضِعٍ مِنْهَا مَا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
[السُّنَّةُ مَعَ الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ]
وَالسُّنَّةُ مَعَ الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ فَيَكُونُ تَوَارُدُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الْحُكْمِ الْوَاحِدِ مِنْ بَابِ تَوَارُدِ الْأَدِلَّةِ وَتَظَافُرِهَا. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِمَا أُرِيدَ بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيرًا لَهُ. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِحُكْمٍ سَكَتَ الْقُرْآنُ عَنْ إيجَابِهِ أَوْ مُحَرِّمَةً لِمَا سَكَتَ عَنْ تَحْرِيمِهِ، وَلَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، فَلَا تُعَارِضُ الْقُرْآنَ بِوَجْهٍ مَا، فَمَا كَانَ مِنْهَا زَائِدًا عَلَى الْقُرْآنِ فَهُوَ تَشْرِيعٌ مُبْتَدَأٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيهِ، وَلَا تَحِلُّ مَعْصِيَتُهُ، وَلَيْسَ هَذَا تَقْدِيمًا لَهَا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، بَلْ امْتِثَالٌ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ، وَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُطَاعُ فِي هَذَا الْقِسْمِ لَمْ يَكُنْ لِطَاعَتِهِ مَعْنًى، وَسَقَطَتْ طَاعَتُهُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ، وَإِنَّهُ إذَا لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُ إلَّا فِيمَا وَافَقَ الْقُرْآنَ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَاعَةٌ خَاصَّةٌ تَخْتَصُّ بِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠] وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَقْبَلَ حَدِيثًا زَائِدًا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ؛ فَلَا يُقْبَلُ حَدِيثُ تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا حَدِيثُ التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعَةِ لِكُلِّ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ، وَلَا حَدِيثُ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَلَا أَحَادِيثُ الشُّفْعَةِ، وَلَا حَدِيثُ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ مَعَ أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَا حَدِيثُ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ، وَلَا حَدِيثُ تَخْيِيرِ الْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا، وَلَا حَدِيثُ مَنْعِ الْحَائِضِ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلَا حَدِيثُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَلَا أَحَادِيثُ إحْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مَعَ زِيَادَتِهَا عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْعِدَّةِ، فَهَلَّا قُلْتُمْ: إنَّهَا نَسْخٌ لِلْقُرْآنِ وَهُوَ لَا يُنْسَخُ بِالسُّنَّةِ، وَكَيْفَ أَوْجَبْتُمْ الْوِتْرَ مَعَ أَنَّهُ زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ عَلَى الْقُرْآنِ بِخَبَرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ؟ وَكَيْفَ زِدْتُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَجَوَّزْتُمْ الْوُضُوءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute