مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ» إلَى آخِرَةٍ.
وَهَذَا الْحُكْمُ نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَالتَّعْلِيلُ وَصْفٌ مُنَاسِبٌ لَا يَقْبَلُ الْإِلْغَاءَ وَلَا الْمُعَارَضَةَ. وَقِيَاسُ الْأُصُولِ لَا يَقْتَضِي غَيْرَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْقَبْضِ الْمُعْتَادِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ أَخَّرَهُ لِتَفْرِيطٍ مِنْهُ أَوْ لِانْتِظَارِ غَلَاءِ السِّعْرِ كَانَ التَّلَفُ مِنْ ضَمَانِهِ وَلَمْ تُوضَعْ عَنْهُ الْجَائِحَةُ. وَأَمَّا مُعَارَضَةُ هَذِهِ السُّنَّةِ بِحَدِيثِ الَّذِي أُصِيبَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَمِنْ بَابِ رَدِّ الْمُحْكَمِ بِالْمُتَشَابِهِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أُصِيبَ فِيهَا بِجَائِحَةٍ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا كَانَتْ جَائِحَةً عَامَّةً، بَلْ لَعَلَّهُ أُصِيبَ فِيهَا بِانْحِطَاطِ سِعْرِهَا.
وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ الْمُصِيبَةَ كَانَتْ جَائِحَةً فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا كَانَتْ جَائِحَةً عَامَّةً، بَلْ لَعَلَّهَا جَائِحَةٌ خَاصَّةٌ كَسَرِقَةِ اللُّصُوصِ الَّتِي يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ جَائِحَةً تُسْقِطُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ نَهْبِ الْجُيُوشِ وَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ الْجَائِحَةَ عَامَّةٌ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَكُنْ بِتَفْرِيطِهِ فِي التَّأْخِيرِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَكُنْ بِتَفْرِيطِهِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ طَلَبَ الْفَسْخَ وَأَنْ تُوضَعَ عِنْدَ الْجَائِحَةِ، بَلْ لَعَلَّهُ رَضِيَ بِالْمَبِيعِ وَلَمْ يَطْلُبْ الْوَضْعَ، وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ لَهُ: إنْ شَاءَ طَلَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، فَأَيْنَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ مِنْهُ؟
وَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ إلَّا بِثُبُوتِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، فَكَيْفَ يُعَارِضُ نَصٌّ قَوْلَهُ الصَّحِيحَ الصَّرِيحَ الْمُحْكَمَ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ نَصٌّ فِيهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمُتَشَابِهِ؟ ثُمَّ قَوْلُهُ فِيهِ: «لَيْسَ لَكُمْ فِيهِ إلَّا ذَلِكَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِبَائِعِي الثِّمَارِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مَا أَخَذَهُ، وَعِنْدَكُمْ الْمَالُ كُلُّهُ فِي ذِمَّتِهِ؛ فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ.
وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ بِخَبَرِ مَالِكٍ فَمَنْ أَبْطَلَ الْمُعَارَضَاتِ وَأَفْسَدَهَا، فَأَيْنَ فِيهِ أَنَّهُ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ بِوَجْهٍ مَا؟ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ عَالَجَهُ وَأَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ النُّقْصَانُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوَضْعِ الثَّمَنِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ]
[صَلَاةُ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ] . الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ كَمَا فِي الْمُسْنَدِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَصَحِيحَيْ ابْنِ حِبَّانَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ، فَوَقَفَ حَتَّى انْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ: اسْتَقْبِلْ صَلَاتَك فَلَا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ» .
وَفِي السُّنَنِ وَصَحِيحَيْ ابْنِ حِبَّانَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ» .
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ صَلَّى وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ قَالَ: يُعِيدُ صَلَاتَهُ» فَرُدَّتْ هَذِهِ السُّنَنُ الْمُحْكَمَةُ بِأَنَّهَا خِلَافُ الْأُصُولِ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إنَّهَا هِيَ مَحْضُ الْأُصُولِ، وَمَا خَالَفَهَا فَهُوَ خِلَافُ الْأُصُولِ، وَرُدَّتْ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثِ «أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَدَارَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute