الْمُضْطَلِعَ بِهِ قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي الصَّوَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا فَلَا يَقْدُمُ عَلَى الْجَزْمِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَذْكُرَ الْخِلَافَ فِيهَا لِلسَّائِلِ.
وَكَثِيرًا مَا يُسْأَلُ الْإِمَامُ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَيَقُولُ: فِيهَا قَوْلَانِ، أَوْ قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي أَجْوِبَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِسَعَةِ عِلْمِهِ وَوَرَعِهِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، يَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ ثُمَّ يَقُولُ: فِيهَا قَوْلَانِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ هَلْ يُضَافُ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ يَحْكِيهِمَا إلَى مَذْهَبِهِ وَيُنْسَبَانِ إلَيْهِ أَمْ لَا؟ عَلَى طَرِيقَيْنِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدٌ وَأُبَيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْمُفْتِي الْقَوْلُ الرَّاجِحُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ فَقَالَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَقَدْ انْتَهَى إلَى مَا يَقْدِرْ عَلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: سَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا الْعَبَّاسِ الْحَضْرَمِيَّ يَقُولُ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ لَهُ زَوْجَةٌ لَا هُوَ مُمْسِكُهَا وَلَا هُوَ مُطَلِّقُهَا، فَقَالَ لَهَا: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَقَالَ قَائِلُونَ: تُؤْمَرُ بِالصَّبْرِ وَالِاحْتِسَابِ، وَيُبْعَثُ عَلَى التَّطَلُّبِ وَالِاكْتِسَابِ، وَقَالَ قَائِلُونَ: يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الطَّلَاقِ، فَلَمْ تَفْهَمْ الْمَرْأَةُ قَوْلَهُ، فَأَعَادَتْ الْمَسْأَلَةَ، فَقَالَ: يَا هَذِهِ أَجَبْتُك عَنْ مَسْأَلَتِك، وَأَرْشَدْتُك إلَى طُلْبَتِك، وَلَسْتُ بِسُلْطَانٍ فَأُمْضِي، وَلَا قَاضٍ فَأَقْضِي، وَلَا زَوْجٍ فَأُرْضِي، فَانْصَرِفِي.
[الْإِفْتَاء فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ]
[الْإِفْتَاءُ فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ] الْفَائِدَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ:
إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِيهَا شَرْطٌ وَاقِفٌ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ بِالْعَمَلِ بِهِ، بَلْ وَلَا يُسَوِّغُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، حَتَّى يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ الشَّرْطِ، فَإِنْ كَانَ يُخَالِفُ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا حُرْمَةَ لَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَنْفِيذُهُ، وَلَا يَسُوغُ تَنْفِيذُهُ، وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلْيَنْظُرْ: هَلْ فِيهِ قُرْبَةٌ أَوْ رُجْحَانٌ عِنْدَ الشَّارِعِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قُرْبَةٌ، وَلَا رُجْحَانٌ لَمْ يَجِبْ الْتِزَامُهُ، وَلَمْ يُحَرَّمْ، فَلَا تَضُرُّ مُخَالَفَتُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ قُرْبَةٌ وَهُوَ رَاجِحٌ عَلَى خِلَافِهِ فَلْيَنْظُرْ: هَلْ يَفُوتُ بِالْتِزَامِهِ وَالتَّقْيِيدِ بِهِ مَا هُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَرْضَى لَهُ وَأَنْفَعُ لِلْمُكَلَّفِ وَأَعْظَمُ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْوَاقِفِ مِنْ الْأَجْرِ؟ فَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْتِزَامِهِ لَمْ يَجِبْ الْتِزَامُهُ وَلَا التَّقْيِيدُ بِهِ قَطْعًا، وَجَازَ الْعُدُولُ بَلْ يُسْتَحَبُّ إلَى مَا هُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفَعُ لِلْمُكَلَّفِ وَأَكْثَرُ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْوَاقِفِ، وَفِي جَوَازِ الْتِزَامِ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَفْصِيلٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَإِنْ كَانَ فِي قُرْبَةٍ وَطَاعَةٍ وَلَمْ يَفُتْ بِالْتِزَامِهِ مَا هُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُ وَتَسَاوَى هُوَ وَغَيْرُهُ فِي تِلْكَ الْقُرْبَةِ، وَيَحْصُلُ غَرَضُ الْوَاقِفِ بِحَيْثُ يَكُونُ هُوَ وَغَيْرُهُ طَرِيقِينَ مُوَصِّلَيْنِ إلَى مَقْصُودِهِ وَمَقْصُودِ الشَّارِعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْتِزَامُ الشَّرْطِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute