للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَالُوا: فَلَوْ قَالَ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ " فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " وَكَانَ قَصْدُهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ قَدْ وُجِدَ حَقِيقَةً، وَالْكَلَامُ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يَكُونُ إيقَاعًا، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي طَرَفٍ وَقَوْلُ مَنْ يَشْتَرِطُ نِيَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ أَوْ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فِي طَرَفٍ آخَرَ، وَبَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ بُعْدِ الْمَشْرِقَيْنِ.

فَلَوْ قَالَ: " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ، أَوْ مَا لَمْ يَشَأْ اللَّهُ " فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ أَوْ لَا يَقَعُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، فَمَنْ أَوْقَعَهُ احْتَجَّ بِأَنَّ كَلَامَهُ تَضَمَّنَ أَمْرَيْنِ: مُحَالًا، وَمُمْكِنًا، فَالْمُمْكِنُ التَّطْلِيقُ، وَالْمُحَالُ وُقُوعُهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَهُوَ إذَا لَمْ يَشَأْ اللَّهُ، فَإِنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَجَبَ وُقُوعُهُ، فَيَلْغُو هَذَا التَّقْيِيدُ الْمُسْتَحِيلُ، وَيَسْلَمُ أَصْلُ الطَّلَاقِ فَيَنْفُذُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَقَعُ، وَلِهَذَا الْقَوْلِ مَأْخَذَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى الشَّرْطِ الْمُحَالِ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهِ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ جَمَعْت بَيْنَ الضِّدَّيْنِ " أَوْ " إنْ شَرِبْت مَاءَ الْكُوزِ "، وَلَا مَاءَ فِيهِ؛ لِعَدَمِ وُقُوعِ شَرْطِهِ، فَهَكَذَا إذَا قَالَ: " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ " فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَحِيلٍ، وَهُوَ عَدَمُ مَشِيئَةِ اللَّهِ، فَلَوْ طَلُقَتْ لَطَلُقَتْ بِمَشِيئَتِهِ، وَشَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَدَمُ مَشِيئَتِهِ.

وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: - وَهُوَ أَفْقَهُ - أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ فِي الْمَعْنَى، وَتَعْلِيقٌ عَلَى الْمَشِيئَةِ، وَالْمَعْنَى إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ عَدَمَ طَلَاقِك؛ فَهُوَ كَقَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَشَأْ اللَّهُ " سَوَاءٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

[فَصْلٌ شَبَه الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ]

فَصْلٌ: [شُبَهُ الَّذِينَ لَا يُجَوِّزُونَ الِاسْتِثْنَاءَ]

قَالَ الْمُوَقِّعُونَ: قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ: ثنا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنُ أَسَدٍ الْقَسْرِيُّ: ثنا جُمَيْعُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْجُعْفِيُّ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا مُعَاشِرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَرَى الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزًا فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، قَالُوا: وَرَوَى أَبُو حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَهِيَ طَالِقٌ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ يَرْفَعُ جُمْلَةَ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَصِحَّ، كَقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا ".

قَالُوا: وَلِأَنَّهُ إنْشَاءُ حُكْمٍ فِي مَحَلٍّ، فَلَمْ يَرْتَفِعْ بِالْمَشِيئَةِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ فَلَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى مَا لَا سَبِيلَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَالُوا: وَإِنْ كَانَ لَنَا سَبِيلٌ إلَى الْعِلْمِ بِالشَّرْطِ صَحَّ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ.

وَيَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>