للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ هَذِهِ الصِّيغَةُ وَلَا يَنْوِي النِّكَاحَ الَّذِي جُعِلَتْ لَهُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ بَلْ قَصْدُهُ مَا يُنَافِي مَقْصُودَ الْعَقْدِ أَوْ أَمْرٌ آخَرُ خَارِجٌ عَنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ وَهُوَ عَوْدُ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ.

وَعَوْدُ السِّلْعَةِ إلَى الْبَائِعِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ بِمُبَاشَرَتِهِ لِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي جُعِلَتْ لَهَا حَقَائِقُ وَمَقَاصِدُ مُظْهِرًا لِإِرَادَةِ حَقَائِقِهَا وَمَقَاصِدِهَا وَمُبْطِنًا لِخِلَافِهِ؛ فَالْأَوَّلُ نِفَاقٌ فِي أَصْلِ الدِّينِ، وَهَذَا نِفَاقٌ فِي فُرُوعِهِ، يُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، أَيُحِلُّهَا لَهُ رَجُلٌ؟ فَقَالَ: مَنْ يُخَادِعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ.

وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا سُئِلَا عَنْ الْعِينَةِ، فَقَالَا: إنَّ اللَّهَ لَا يُخْدَعُ، هَذَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَسَمَّيَا ذَلِكَ خِدَاعًا، كَمَا سَمَّى عُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ نِكَاحَ دُلْسَةٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ فِي أَهْلِ الْحِيَلِ: يُخَادِعُونَ اللَّهَ كَأَنَّمَا يُخَادِعُونَ الصِّبْيَانَ، فَلَوْ أَتَوْا الْأَمْرَ عِيَانًا كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ، وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْحِيَلِ: هُوَ كِتَابُ الْمُخَادَعَةِ.

[دَلِيلُ تَحْرِيمِ الْحِيَلِ وَأَنْوَاعِهَا]

[دَلِيلُ تَحْرِيمِ الْحِيَلِ]

وَتَلْخِيصُ هَذَا أَنَّ الْحِيَلَ الْمُحَرَّمَةَ مُخَادَعَةٌ لِلَّهِ، وَمُخَادَعَةُ اللَّهِ حَرَامٌ: أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فَإِنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ - وَهُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِكَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَعَانِيهِ - سَمَّوْا ذَلِكَ خِدَاعًا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّ اللَّهَ ذَمَّ أَهْلَ الْخِدَاعِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ خِدَاعَهُمْ إنَّمَا هُوَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضًا، وَأَنَّهُ تَعَالَى خَادِعُهُمْ، فَكُلُّ هَذَا عُقُوبَةٌ لَهُمْ، وَمَدَارُ الْخِدَاعِ عَلَى أَصْلَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: إظْهَارُ فِعْلٍ لِغَيْرِ مَقْصُودِهِ الَّذِي جَعَلَ لَهُ، الثَّانِي: إظْهَارُ قَوْلٍ لِغَيْرِ مَقْصُودِهِ الَّذِي وُضِعَ لَهُ، وَهَذَا مُنْطَبِقٌ عَلَى الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ، وَقَدْ عَاقَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُتَحَيِّلِينَ عَلَى إسْقَاطِ نَصِيبِ الْمَسَاكِينِ وَقْتَ الْجِدَادِ بِجَدِّ جَنَّتِهِمْ عَلَيْهِمْ وَإِهْلَاكِ ثِمَارِهِمْ، فَكَيْفَ بِالْمُتَحَيِّلِ عَلَى إسْقَاطِ فَرَائِضِ اللَّهِ وَحُقُوقِ خَلْقِهِ؟ وَلَعَنَ أَصْحَابَ السَّبْتِ وَمَسَخَهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ عَلَى احْتِيَالِهِمْ عَلَى فِعْلِ مَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ.

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة: ٦٥] قَالَ: رَمَوْا الْحِيتَانَ فِي السَّبْتِ، ثُمَّ أَرْجَئُوهَا فِي الْمَاءِ، فَاسْتَخْرَجُوهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَطَبَخُوهَا فَأَكَلُوهَا، وَاَللَّهِ أَوْخَمُ أَكْلَةٍ أَكْلَةٌ أَسْرَعَتْ فِي الدُّنْيَا عُقُوبَةً وَأَسْرَعَتْ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ، وَاَللَّهِ مَا كَانَتْ لُحُومُ الْحِيتَانِ تِلْكَ بِأَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ دِمَاءِ قَوْمٍ مُسْلِمِينَ، إلَّا أَنَّهُ عَجَّلَ لِهَؤُلَاءِ وَأَخَّرَ لِهَؤُلَاءِ.

وَقَوْلُهُ: " رَمَوْهَا فِي السَّبْتِ " يَعْنِي احْتَالُوا عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْمَاءِ يَوْمَ السَّبْتِ كَمَا بَيَّنَ غَيْرُهُ أَنَّهُمْ حَفَرُوا لَهَا حِيَاضًا ثُمَّ فَتَحُوهَا عَشِيَّةَ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُمْ بَاشَرُوا رَمْيَهَا يَوْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>