للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّؤَالَ الْمُطْلَقَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَدُلُّ عَلَى الْوَارِثِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْمِيرَاثِ، كَمَا لَوْ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ أَوْ آجَرَ أَوْ تَزَوَّجَ أَوْ أَقَرَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ مَوَانِعَ الصِّحَّةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِكْرَاهِ وَنَحْوِهِمَا إلَّا حَيْثُ يَكُونُ الِاحْتِمَالُ مُتَسَاوِيًا.

وَمَنْ تَأَمَّلَ أَجْوِبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَآهُ يَسْتَفْصِلُ حَيْثُ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِفْصَالِ وَيَتْرُكُهُ حَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَيُحِيلُ فِيهِ مَرَّةً عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ شَرْعِهِ وَدِينِهِ مِنْ شُرُوطِ الْحُكْمِ وَتَوَابِعِهِ، بَلْ هَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَقَوْلِهِ: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وقَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥] .

وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُفْتِي أَنْ يَسْتَوْعِبَ شَرَائِطَ الْحُكْمِ وَمَوَانِعَهُ كُلَّهَا عِنْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يَنْفَعُ السَّائِلَ وَالْمُتَكَلِّمَ وَالْمُتَعَلِّمَ قَوْلُهُ " بِشَرْطِهِ، وَعَدَمِ مَوَانِعِهِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا بَيَانَ أَتَمَّ مِنْ بَيَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَا هَدْيَ أَكْمَلَ مِنْ هَدْيِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[هَلْ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ]

[هَلْ يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ؟] الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ: لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ فِي دِينِ اللَّهِ بِمَا هُوَ مُقَلِّدٌ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِيهِ سِوَى أَنَّهُ قَوْلُ مَنْ قَلَّدَهُ دِينَهُ، هَذَا إجْمَاعٌ مِنْ السَّلَفِ كُلِّهِمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَغَيْرُهُمَا.

قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ: قَطَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ إمَامُ الشَّافِعِيِّينَ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَالْقَاضِي أَبُو الْمَحَاسِنِ الرُّويَانِيُّ صَاحِبُ بَحْرِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ مُقَلِّدٌ فِيهِ.

وَقَالَ: وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ لِرِسَالَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ حَفِظَ كَلَامَ صَاحِبِ مَذْهَبٍ، وَنُصُوصَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِغَوَامِضِهِ وَحَقَائِقِهِ، وَخَالَفَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَبَحِّرًا فِيهِ عَالِمًا بِغَوَامِضِهِ وَحَقَائِقِهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ الَّذِي جَمَعَ فَتَاوَى الْمُفْتِينَ أَنْ يُفْتِيَ بِهَا، وَإِذَا كَانَ مُتَبَحِّرًا فِيهِ جَازَ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ.

وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: مَنْ قَالَ " لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِذَلِكَ " مَعْنَاهُ لَا يَذْكُرُهُ فِي صُورَةِ مَا يَقُولُهُ مِنْ عِنْدَ نَفْسِهِ، بَلْ يُضِيفُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَيَحْكِيهِ عَنْ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ.

فَعَلَى هَذَا مَنْ عَدَدْنَاهُ فِي أَصْنَافِ الْمُفْتِينَ الْمُقَلَّدِينَ لَيْسُوا عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُفْتِينَ، وَلَكِنَّهُمْ قَامُوا مَقَامَ الْمُفْتِينَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>