للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مَعَ الذُّهُولِ]

فَصْلٌ:

[الْمَخْرَجُ الْخَامِسُ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مَعَ الذُّهُولِ وَنَحْوِهِ]

الْمَخْرَجُ الْخَامِسُ: أَنْ يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ذَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا، أَوْ مُخْطِئًا، أَوْ جَاهِلًا، أَوْ مُكْرَهًا، أَوْ مُتَأَوِّلًا، أَوْ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ تَقْلِيدًا لِمَنْ أَفْتَاهُ بِذَلِكَ، أَوْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ، أَوْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ امْرَأَتَهُ طَلُقَتْ فَيَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي طَلَاقِهَا شَيْئًا.

[الذُّهُولُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّسْيَانِ]

فَمِثَالُ الذُّهُولِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا هُوَ مُعْتَادٌ لِفِعْلِهِ فَيَغْلِبَ عَلَيْهِ الذُّهُولُ وَالْغَفْلَةُ فَيَفْعَلَهُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ النَّاسِي أَنَّ النَّاسِيَ يَكُونُ قَدْ غَابَ عَنْهُ الْيَمِينُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ذَاكِرًا لَهُ عَامِدًا لِفِعْلِهِ، ثُمَّ يَتَذَكَّرُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، وَأَمَّا الْغَافِلُ وَالذَّاهِلُ وَاللَّاهِي فَلَيْسَ بِنَاسٍ لِيَمِينِهِ، وَلَكِنَّهُ لَهَا عَنْهَا أَوْ ذَهَلَ كَمَا يَذْهَلُ الرَّجُلُ عَنْ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ أَوْ حِجْرِهِ بِحَدِيثٍ أَوْ نَظَرٍ إلَى شَيْءٍ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى - وَهُوَ يَخْشَى - فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس: ٨ - ١٠] .

يُقَالُ: لَهِيَ عَنْ الشَّيْءِ يَلْهَى كَغَشِيَ يَغْشَى إذَا غَفَلَ، وَلَهَا بِهِ يَلْهُو، إذَا لَعِبَ؛ وَفِي الْحَدِيثِ «فَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ كَانَ فِي يَدَيْهِ» أَيْ اشْتَغَلَ بِهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «إذَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِشَيْءٍ فَالْهُ عَنْهُ» .

وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَمَّا يَجِدُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْبِلَّةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِنْجَاءِ، فَقَالَ " الْهَ عَنْهُ "، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ لَهَا عَنْ حَدِيثِهِ، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِرَجُلٍ بَعَثَهُ بِمَالٍ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ ثُمَّ قَالَ لِلرَّسُولِ: " تَلَهَّ عَنْهُ ثُمَّ اُنْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ بِهِ ".

وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:

وَقَالَ كُلُّ صَدِيقٍ كُنْت آمُلُهُ ... لَا أُلْهِيَنَّكَ إنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ

أَيْ لَا أَشْغَلُك عَنْ شَأْنِك وَأَمْرِك، وَفِي الْمُسْنَدِ «سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا يُعَذِّبَ اللَّاهِينَ مِنْ أُمَّتِي» وَهُمْ الْبُلْهُ الْغَافِلُونَ الَّذِينَ لَمْ يَتَعَمَّدُوا الذُّنُوبَ، وَقِيلَ: هُمْ الْأَطْفَالُ الَّذِينَ لَمْ يَقْتَرِفُوا ذَنْبًا.

فَصْلٌ:

[النِّسْيَانُ ضَرْبَانِ]

وَأَمَّا النَّاسِي فَهُوَ ضَرْبَانِ: نَاسٍ لِلْيَمِينِ، وَنَاسٍ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ، وَالثَّانِي: كَمَا إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ وَفَعَلَهُ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِيَمِينِهِ، لَكِنْ نَسِيَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ كَذَا وَكَذَا، فَنَسِيَهُ، ثُمَّ أَكَلَهُ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِيَمِينِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>