للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الْأَبِ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ]

فَصْلٌ

[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الْأَبِ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ] : وَمِنْ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُ الْحَقَّ إذَا أَرَادَ الِابْنُ مَنْعَ الْأَبِ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَهُ إيَّاهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ يَسْتَقِيلَهُ إيَّاهُ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا أَرَادَتْ مَنْعَ الزَّوْجِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ بَاعَتْهُ ثُمَّ اسْتَقَالَتْهُ.

وَهَذَا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فَإِنَّ الْمَحْذُورَ إبْطَالُ حَقٍّ لِغَيْرٍ مِنْ الْعَيْنِ، وَهَذَا لَا يُبْطِلُ لِلْغَيْرِ حَقًّا، وَالزَّائِلُ الْعَائِدُ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ زَوَالُهُ إنَّمَا جُعِلَ ذَرِيعَةً وَصُورَةً إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْحَقَّ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ تَعَلُّقًا قَدَّمَ الشَّارِعُ مُسْتَحِقَّهُ عَلَى الْمَالِكِ لِقُوَّتِهِ، وَلَا يَكُونُ صُورَةُ إخْرَاجِهِ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ إخْرَاجًا لَا حَقِيقَةً لَهُ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ الَّذِي أَثْبَتَ الشَّارِعُ بِهِ انْتِزَاعَهُ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ، بَلْ لَوْ كَانَ الْإِخْرَاجُ حَقِيقَةً ثُمَّ عَادَ لَعَادَ حَقُّ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَخْذِ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ وَزَوَالِ مَانِعِهِ، وَالْحُكْمُ إذَا كَانَ لَهُ مُقْتَضٍ فَمَنَعَ مَانِعٌ مِنْ إعْمَالِهِ ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ اقْتَضَى الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ.

[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَجْوِيزِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ]

فَصْلٌ

[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَجْوِيزِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ]

وَمِنْ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ الْمُحَرَّمَةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ وَرَثَتِهِ بِبَعْضِ الْمِيرَاثِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ، وَأَنَّ عَطِيَّتَهُ فِي مَرَضِهِ وَصِيَّةٌ؛ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ: كُنْتُ وَهَبْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا فِي صِحَّتِي، أَوْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ، فَيَتَقَدَّمُ بِهِ.

وَهَذَا بَاطِلٌ، وَالْإِقْرَارُ لِلْوَارِثِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لَا يَصِحُّ لِلتُّهْمَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ مَالِكٌ يَرُدُّهُ لِلْأَجْنَبِيِّ إذَا ظَهَرَتْ التُّهْمَةُ، وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا إقْرَارُهُ أَنَّهُ كَانَ وَهَبَهُ إيَّاهُ فِي صِحَّتِهِ فَلَا يُقْبَلُ أَيْضًا كَمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لَهُ بِالدَّيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إقْرَارِهِ لَهُ بِالدَّيْنِ أَوْ بِالْعَيْنِ، وَأَيْضًا فَهَذَا الْمَرِيضُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ عَقْدِ التَّبَرُّعِ الْمَذْكُورِ؛ فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ، لِاتِّحَادِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِبُطْلَانِ الْإِنْشَاءِ، فَإِنَّهُ بِعَيْنِهِ قَائِمٌ فِي الْإِقْرَارِ، وَبِهَذَا يَزُولُ النَّقْضُ بِالصُّوَرِ الَّتِي يَمْلِكُ فِيهَا الْإِقْرَاءَ دُونَ الْإِنْشَاءِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مَنَعَ مِنْ الْإِنْشَاءِ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ فِي الْإِقْرَارِ، فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>