للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصَّوْمِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ التَّقْلِيدُ فِي قَبُولِ التَّرْجَمَةِ فِي الرِّسَالَةِ وَالتَّعْرِيفِ وَالتَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ.

كُلُّ هَذَا مِنْ بَابِ الْأَخْبَارِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِقَبُولِ الْمُخْبِرِ بِهَا إذَا كَانَ عَدْلًا صَادِقًا، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْهَدِيَّةِ وَإِدْخَالِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا، وَقَبُولِ خَبَرِ الْمَرْأَةِ ذِمِّيَّةً كَانَتْ أَوْ مُسْلِمَةً فِي انْقِطَاعِ دَمِ حَيْضِهَا لِوَقْتِهِ وَجَوَازِ وَطْئِهَا وَإِنْكَاحِهَا بِذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا تَقْلِيدًا فِي الْفُتْيَا وَالْحُكْمِ، وَإِذَا كَانَ تَقْلِيدًا لَهَا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَرَعَ لَنَا أَنْ نَقْبَلَ قَوْلَهَا وَنُقَلِّدَهَا فِيهِ، وَلَمْ يَشْرَعْ لَنَا أَنْ نَتَلَقَّى أَحْكَامَهُ عَنْ غَيْرِ رَسُولِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ نَتْرُكَ سُنَّةَ رَسُولِهِ لِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَنُقَدِّمَ قَوْلَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ عَدَاهُ مِنْ الْأُمَّةِ.

الْوَجْهُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: قَوْلُكُمْ: " وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ شِرَاءِ اللُّحْمَانِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ عَنْ أَسْبَابِ حِلِّهَا اكْتِفَاءً بِتَقْلِيدِ أَرْبَابِهَا " جَوَابُهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَقْلِيدًا فِي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، بَلْ هُوَ اكْتِفَاءً بِقَبُولِ قَوْلِ الذَّابِحِ وَالْبَائِعِ، وَهُوَ اقْتِدَاءٌ وَاتِّبَاعٌ لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الذَّابِحُ وَالْبَائِعُ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ فَاجِرًا اكْتَفَيْنَا بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ نَسْأَلْهُ عَنْ أَسْبَابِ الْحِلِّ، كَمَا «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ نَاسًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَا، فَقَالَ: سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا» فَهَلْ يَسُوغُ لَكُمْ تَقْلِيدُ الْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ فِي الدِّينِ كَمَا تُقَلِّدُونَهُمْ فِي الذَّبَائِحِ وَالْأَطْعِمَةِ؟ فَدَعُوا هَذِهِ الِاحْتِجَاجَاتِ الْبَارِدَةَ وَادْخُلُوا مَعَنَا فِي الْأَدِلَّةِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ؛ لِنَعْقِدَ مَعَكُمْ عَقْدَ الصُّلْحِ اللَّازِمِ عَلَى تَحْكِيمِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَالتَّحَاكُمِ إلَيْهِمَا وَتَرْكِ أَقْوَالِ الرِّجَالِ لَهُمَا، وَأَنْ نَدُورَ مَعَ الْحَقِّ حَيْثُ كَانَ، وَلَا نَتَحَيَّزُ إلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ الرَّسُولِ: نَقْبَلُ قَوْلَهُ كُلَّهُ، وَنَرُدُّ قَوْلَ مَنْ خَالَفَهُ كُلَّهُ، وَإِلَّا فَاشْهَدُوا بِأَنَّا أَوَّلُ مُنْكَرٍ لِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَرَاغِبٍ عَنْهَا دَاعٍ إلَى خِلَافِهَا، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

[هَلْ كُلِّفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ الِاجْتِهَادَ]

الْوَجْهُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: قَوْلُكُمْ: " لَوْ كُلِّفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ الِاجْتِهَادَ وَأَنْ يَكُونُوا عُلَمَاءَ ضَاعَتْ مَصَالِحُ الْعِبَادِ وَتَعَطَّلَتْ الصَّنَائِعُ وَالْمَتَاجِرُ وَهَذَا مِمَّا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ شَرْعًا وَقَدَرًا " فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِنَا وَرَأْفَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْنَا بِالتَّقْلِيدِ، فَلَوْ كَلَّفَنَا بِهِ لَضَاعَتْ أُمُورُنَا، وَفَسَدَتْ مَصَالِحُنَا، لِأَنَّا لَمْ نَكُنْ نَدْرِي مَنْ نُقَلِّدُ مِنْ الْمُفْتِينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَهُمْ عَدَدٌ فَوْقَ الْمِئَتَيْنِ، وَلَا يَدْرِي عَدَدَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا اللَّهُ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ مَلَئُوا الْأَرْضَ شَرْقًا وَغَرْبًا وَجَنُوبًا وَشَمَالًا، وَانْتَشَرَ الْإِسْلَامُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ وَبَلَغَ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ، فَلَوْ كُلِّفْنَا بِالتَّقْلِيدِ لَوَقَعْنَا فِي أَعْظَمِ الْعَنَتِ وَالْفَسَادِ، وَلَكُلِّفْنَا بِتَحْلِيلِ الشَّيْءِ وَتَحْرِيمِهِ وَإِيجَابِ الشَّيْءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>