وَأَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ الْحِيلَةِ أَنْ يَسْتَوْدِعَ الْعَيْنَ قَبْلَ الْقَرْضِ، ثُمَّ يُقْرِضَهُ، وَهِيَ عِنْدَهُ؛ فَهِيَ فِي الظَّاهِرِ وَدِيعَةٌ، وَفِي الْبَاطِنِ رَهْنٌ، فَإِنْ تَلِفَتْ لَمْ يَسْقُطْ بِهَلَاكِهَا شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ.
فَإِنْ خَافَ الرَّاهِنُ أَنَّهُ إذَا وَفَّاهُ حَقَّهُ لَمْ يُقِلْهُ الْبَيْعَ، فَالْمَخْرَجُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْخِيَارَ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي يَعْلَمُ أَنَّهُ يُوَفِّيهِ فِيهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ.
فَإِنْ خَافَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُسْتَحَقَّ الرَّهْنُ أَوْ بَعْضُهُ، فَالْمَخْرَجُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ دَرْكَ الرَّهْنِ غَيْرَ الرَّاهِنِ، أَوْ يُشْهِدُ عَلَى مَنْ يَخْشَى دَعْوَاهُ الِاسْتِحْقَاقَ بِأَنَّهُ مَتَى ادَّعَاهُ كَانَتْ دَعْوَاهُ بَاطِلَةً، أَوْ يُضَمِّنَهُ الدَّرَكَ لِنَفْسِهِ.
[الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ بَيْعُ الثَّمَرِ وَقَدْ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضِهِ الْآخَرِ]
[بَيْعُ الثَّمَرِ، وَقَدْ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضِهِ الْآخَرِ]
الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ: إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ الشَّجَرَةِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِهَا، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ النَّوْعِ كُلِّهِ فِي الْبُسْتَانِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يَجُوزُ بَيْعُ الْبُسْتَانِ كُلِّهِ تَبَعًا لِمَا بَدَا صَلَاحُهُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَوْعِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، تَقَارَبَ إدْرَاكُهُ وَتَلَاحَقَ أَمْ تَبَاعَدَ، وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاحْتِيَالِ عَلَى الْجَوَازِ، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إذَا خَرَجَ بَعْضُ الثَّمَرَةِ دُونَ بَقِيَّتِهَا أَوْ خَرَجَ الْجَمِيعُ وَبَعْضُهُ قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ دُونَ بَعْضٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمُتَقَوِّمِ وَغَيْرِهِ، فَتَصِيرُ حِصَّةُ الْمَوْجُودِ الْمُتَقَوِّمِ مَجْهُولَةً فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَبَعْضُ الشُّيُوخِ كَانَ يُفْتِي بِجَوَازِهِ فِي الثِّمَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَنَحْوِهِمَا، جَعَلَا الْمَعْدُومَ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ.
وَأَفْتَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِجَوَازِهِ فِي الْوَرْدِ لِسُرْعَةِ تَلَاحُقِهِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ.
قَالُوا: فَالْحِيلَةُ فِي الْجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأُصُولَ، وَهَذَا قَدْ لَا يَتَأَتَّى غَالِبًا، قَالُوا: فَالْحِيلَةُ أَيْضًا أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَوْجُودَ الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ أَبَاحَ لَهُ مَا يَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ، وَهَذِهِ الْحِيلَةُ أَيْضًا قَدْ تَتَعَذَّرُ؛ إذْ قَدْ يَرْجِعُ فِي الْإِبَاحَةِ، وَإِنْ جُعِلَتْ هِبَةً فَهِبَةُ الْمَعْدُومِ لَا تَصِحُّ، وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى الثَّمَرَةِ مِنْ كُلِّ أَلْفِ جُزْءٍ عَلَى جُزْءٍ - مَثَلًا - لَمْ تَصِحَّ الْمُسَاقَاةُ عِنْدَهُمْ، وَتَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ آجَرَهُ الشَّجَرَةَ؛ لِأَخْذِ ثَمَرَتِهَا لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ عِنْدَهُمْ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ؛ فَالْحِيلَةُ إذًا أَنْ يَبِيعَهُ الثَّمَرَةَ الْمَوْجُودَةَ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ أَنَّ مَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا فَهُوَ حَادِثٌ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، لَا حَقَّ لِلْبَائِعِ فِيهِ، وَلَا يَذْكُرُ سَبَبَ الْحُدُوثِ، وَلَهُمْ حِيلَةٌ أُخْرَى فِيمَا إذَا بَدَتْ الثِّمَارُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، أَوْ يَشْتَرِيَهَا وَيُطْلِقَ، وَيَكُونَ الْقَطْعُ [هُوَ] مُوجِبُ الْعَقْدِ، ثُمَّ يَتَّفِقَانِ عَلَى التَّبْقِيَةِ إلَى وَقْتِ الْكَمَالِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَخْرَجَ بِبَيْعِهَا إذَا بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهَا أَوْ بِإِجَارَةِ الشَّجَرِ أَوْ بِالْمُسَاقَاةِ أَقْرَبُ إلَى النَّصِّ وَالْقِيَاسِ وَقَوَاعِدِ الشَّرْعِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute