قَالُوا: لَا، قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ» فَرُدَّتْ هَذِهِ السُّنَّةُ بِرَأْيٍ لَا يُقَاوِمُهَا، وَهُوَ أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ؛ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ شَيْءٍ خَرَابٍ فِي مَحَلِّ خَرَابٍ، بِخِلَافِ الْحَيِّ الْقَادِرِ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ بِصَدَدِ الْعِمَارَةِ فِي ضَمَانِ دَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا إذَا خَلَّفَ وَفَاءً فَإِنَّهُ يَصِحُّ الضَّمَانُ فِي الْحَالِ تَنْزِيلًا لِذِمَّتِهِ بِمَا خَلَّفَهُ مِنْ الْوَفَاءِ مَنْزِلَةَ الْحَيِّ الْقَادِرِ.
قَالُوا: وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ ضَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْمَوْتِ؛ فَهُوَ إخْبَارٌ مِنْهُ بِالْتِزَامٍ سَابِقٍ، لَا إنْشَاءٌ لِلِالْتِزَامِ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا تُرَدُّ بِهِ السُّنَّةُ الصَّرِيحَةُ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى الْأَخْبَارِ لِوُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ: «فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: أَنَا الْكَفِيلُ بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. الثَّانِي: أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ «فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ» فَقَوْلُهُ: «وَعَلَيَّ دَيْنُهُ» كَالصَّرِيحِ فِي الِالْتِزَامِ أَوْ صَرِيحٌ فِيهِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْوَاوَ لِلِاسْتِئْنَافِ، وَلَيْسَ قَبْلَهَا مَا يَصِحُّ أَنْ يُعْطَفَ مَا بَعْدَهَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: صَلِّ عَلَيْهِ وَأَنَا أَلْتَزِمُ مَا عَلَيْهِ أَوْ وَأَنَا مُلْتَزِمٌ مَا عَلَيْهِ، الثَّالِثُ: أَنَّ الْحُكْمَ لَوْ اخْتَلَفَ لَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ ضَمِنْت ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ وَلَا سِيَّمَا فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ الْإِنْشَاءُ، وَأَدْنَى الْأَحْوَالِ أَنْ يَحْتَمِلَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَاطِلًا فِي الشَّرْعِ وَالْآخَرُ صَحِيحًا فَكَيْفَ يُقِرُّهُ عَلَى قَوْلٍ مُحْتَمِلٍ لِحَقٍّ وَبَاطِل وَلَمْ يَسْتَفْصِلْهُ عَنْ مُرَادِهِ بِهِ؟ الرَّابِعُ: أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً، فَإِنَّ مَنْ صَحَّ ضَمَانُ دَيْنِهِ إذَا خَلَّفَ وَفَاءً صَحَّ ضَمَانُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كَالْحَيِّ، وَأَيْضًا فَمَنْ صَحَّ ضَمَانُ دَيْنِهِ حَيًّا صَحَّ ضَمَانُ دَيْنِهِ مَيِّتًا، وَأَيْضًا فَإِنَّ الضَّمَانَ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ مُطَالَبَةَ رَبِّ الدَّيْنِ لِلضَّامِنِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُخَلِّفَ الْمَيِّتُ وَفَاءً أَوْ لَمْ يَخْلُفْهُ، وَأَيْضًا فَالْمَيِّتُ أَحْوَجُ إلَى ضَمَانِ دَيْنِهِ الْحَيُّ لِحَاجَتِهِ إلَى تَبْرِيدِ جِلْدِهِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَتَخْلِيصِهِ مِنْ ارْتِهَانِهِ بِالدَّيْنِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ وَإِنْ خَرِبَتْ مِنْ وَجْهٍ - وَهُوَ تَعَذُّرُ مُطَالَبَتِهِ - لَمْ تَخْرَبْ مِنْ جِهَةِ بَقَاءِ الْحَقِّ فِيهَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ إلَّا وَهُوَ مُرْتَهَنٌ بِدَيْنِهِ» وَلَا يَكُونُ مُرْتَهَنًا وَقَدْ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ لَبَطَلَ الضَّمَانُ بِمَوْتِهِ؛ فَإِنَّ الضَّامِنَ فَرْعُهُ، وَقَدْ خَرِبَتْ ذِمَّةُ الْأَصْلِ، فَلَمَّا اُسْتُدِيمَ الضَّمَانُ وَلَمْ يَبْطُلْ بِالْمَوْتِ عَلِمَ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يُنَافِي الْمَوْتَ؛ فَإِنَّهُ لَوْ نَافَاهُ ابْتِدَاءً لَنَافَاهُ اسْتِدَامَةً؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الدَّوَامِ وَالِابْتِدَاءِ لِاتِّحَادِ سَبَبِ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ فِيهَا؛ فَظَهَرَ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَحْضَ مَعَ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[تَرْكُ السُّنَّةِ الصَّحِيحَة فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلْعُذْرِ]
[الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]
الْمِثَالُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: تَرْكُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ فِي جَمْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute