للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ تَزَلْ الصُّبْحُ يُنَادَى لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، فَرُدَّتْ هَذِهِ السُّنَّةُ لِمُخَالَفَتِهَا الْأُصُولَ وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَبِحَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِي: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ فَرَجَعَ فَنَادَى: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ» وَلَا تُرَدُّ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهَا أَصْلٌ بِنَفْسِهَا، وَقِيَاسُ وَقْتِ الْفَجْرِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا مُصَادَمَتُهُ لِلسُّنَّةِ لَكَفَى فِي رَدِّهِ، فَكَيْف وَالْفَرْقُ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ مَا فِي النِّدَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ؟ وَإِذَا اخْتَصَّ وَقْتُهَا بِأَمْرٍ لَا يَكُونُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ امْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ. وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادٍ عَنْ أَيُّوبَ فَحَدِيثٌ مَعْلُولٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ.

قَالَ أَبُو دَاوُد: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَيُّوبَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبٍ: سَأَلْت عَلِيًّا وَهُوَ ابْنُ الْمَدِينِيُّ - عَنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ بِلَيْلٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ارْجِعْ فَنَادِ إنَّ الْعَبْدَ نَامَ» فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي خَطَأٌ، لَمْ يُتَابَعْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَلَى هَذَا، إنَّمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُنَادِي بِلَيْلٍ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَدْ تَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ رَزِينٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فَإِنَّهُ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا رَأَيْت الرَّجُلَ يَغْمِزُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَاتَّهِمْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيدًا عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إلَّا أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَ فِي السِّنِّ سَاءَ حِفْظُهُ، فَلِذَلِكَ تَرَكَ الْبُخَارِيُّ الِاحْتِجَاجَ بِحَدِيثِهِ، وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَاجْتَهَدَ فِي أَمْرِهِ وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ ثَابِتٍ مَا سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ، وَمَا سِوَى حَدِيثِهِ عَنْ ثَابِتٍ لَا يَبْلُغُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيثًا أَخْرَجَهَا فِي الشَّوَاهِدِ دُونَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ.

وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَالِاحْتِيَاطُ لِمَنْ رَاقَبَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَحْتَجَّ بِمَا يَجِدُ مِنْ حَدِيثِهِ مُخَالِفًا لِأَحَادِيثِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جُمْلَتِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: أَذَّنَ بِلَالٌ مَرَّةً بِلَيْلٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ بِلَالًا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: اسْتَيْقَظْت وَأَنَا وَسْنَانٌ، فَظَنَنْت أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنَادِيَ فِي الْمَدِينَةِ: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ، وَأَقْعَدَهُ إلَى جَانِبِهِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ» . ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَخَالَفَهُ شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مُؤَذِّنٍ لِعُمَرَ يُقَالُ لَهُ مَسْرُوحٌ أَنَّهُ أَذَّنَ قَبْلَ الصُّبْحِ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يُنَادِيَ: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ.

قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ مُؤَذِّنًا لِعُمَرَ يُقَالُ لَهُ مَسْرُوحٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: كَانَ لِعُمَرَ مُؤَذِّنٌ يُقَالُ لَهُ مَسْعُودٌ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا أَصَحُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>