للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا دَلَالَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَاللَّفْظُ دَالٌّ عَلَى الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَقَدْ أَتَى بِهِ اخْتِيَارًا.

[مَتَى يُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ؟]

فَهَذِهِ أَقْسَامُ الْأَلْفَاظِ بِالنِّسْبَةِ إلَى إرَادَةِ مَعَانِيهَا وَمَقَاصِدِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا، وَعِنْدَ هَذَا يُقَالُ: إذَا ظَهَرَ قَصْدُ الْمُتَكَلِّمِ لِمَعْنَى الْكَلَامِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ قَصْدٌ يُخَالِفُ كَلَامَهُ وَجَبَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَالْأَدِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَضْعَافُهَا كُلُّهَا إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا حَقٌّ لَا يُنَازِعُ فِيهِ عَالِمٌ، وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِهِ.

إذَا عُرِفَ هَذَا فَالْوَاجِبُ حَمْلُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَحَمْلُ كَلَامِ الْمُكَلَّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُهُ، وَهُوَ الَّذِي يَقْصِدُ مِنْ اللَّفْظِ عِنْدَ التَّخَاطُبِ، وَلَا يَتِمُّ التَّفْهِيمُ وَالْفَهْمُ إلَّا بِذَلِكَ. وَمُدَّعِي غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ الْقَاصِدِ لِلْبَيَانِ وَالتَّفْهِيمِ كَاذِبٌ عَلَيْهِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ظَاهِرِهِ بَتٌّ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى الْيَقِينِ بِمُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمُرَادِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ عَشَرَةِ أَشْيَاءَ فَهُوَ مَلْبُوسٌ عَلَيْهِ مُلَبِّسٌ عَلَى النَّاسِ؛ فَإِنَّ هَذَا لَوْ صَحَّ لَمْ يَحْصُلْ لِأَحَدٍ الْعِلْمُ بِكَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ قَطُّ، وَبَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخَاطُبِ، وَانْتَفَتْ خَاصِّيَّةُ الْإِنْسَانِ، وَصَارَ النَّاسُ كَالْبَهَائِمِ، بَلْ أَسْوَأُ حَالًا، وَلَمَا عُلِمَ عَرْضُ هَذَا الْمُصَنَّفِ مِنْ تَصْنِيفِهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ، وَبُطْلَانُهُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَجْهًا مَذْكُورَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَكِنْ حَمْلُ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَنْبَغِي صَرْفُهُ عَنْ ذَلِكَ لِدَلَالَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ كَالتَّعْرِيضِ وَلَحْنِ الْخِطَابِ وَالتَّوْرِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا لَا يُنَازِعُ فِيهِ الْعُقَلَاءُ.

[مَتَى يُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ] ؟

وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْحَمْلِ عَلَى الظَّاهِرِ حُكْمًا بَعْدَ ظُهُورِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْفَاعِلِ بِخِلَافِ مَا أَظْهَرَهُ؛ فَهَذَا هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ، وَهُوَ: هَلْ الِاعْتِبَارُ بِظَوَاهِرِ الْأَلْفَاظِ وَالْعُقُودِ وَإِنْ ظَهَرَتْ الْمَقَاصِدُ وَالنِّيَّاتُ بِخِلَافِهَا أَمْ لِلْقُصُودِ وَالنِّيَّاتِ تَأْثِيرٌ يُوجِبُ الِالْتِفَاتَ إلَيْهَا وَمُرَاعَاةَ جَانِبِهَا؟ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدُهُ عَلَى أَنَّ الْقُصُودَ فِي الْعُقُودِ مُعْتَبَرَةٌ، وَأَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ وَفِي حِلِّهِ وَحُرْمَتِهِ، بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ وَفِي حِلِّهِ وَحُرْمَتِهِ، بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي الْفِعْلِ الَّذِي لَيْسَ بِعَقْدٍ تَحْلِيلًا وَتَحْرِيمًا فَيَصِيرُ حَلَالًا تَارَةً وَحَرَامًا تَارَةً بِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ، كَمَا يَصِيرُ صَحِيحًا تَارَةً وَفَاسِدًا تَارَةً بِاخْتِلَافِهَا، وَهَذَا كَالذَّبْحِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَحِلُّ إذَا ذُبِحَ لِأَجْلِ الْأَكْلِ وَيُحَرَّمُ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>