للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ الْحَلَالُ يَصِيدُ الصَّيْدَ لِلْمُحْرِمِ فَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ وَيَصِيدُهُ لِلْحَلَالِ فَلَا يُحَرَّمُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ يَنْوِي أَنْ تَكُونَ لِمُوَكِّلِهِ فَتُحَرَّمُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَنْوِي أَنَّهَا لَهُ فَتَحِلُّ لَهُ، وَصُورَةُ الْعَقْدِ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ النِّيَّةُ وَالْقَصْدُ، وَكَذَلِكَ صُورَةُ الْقَرْضِ وَبَيْعُ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ إلَى أَجَلٍ صُورَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَهَذَا قُرْبَةٌ صَحِيحَةٌ وَهَذَا مَعْصِيَةٌ بَاطِلَةٌ بِالْقَصْدِ، وَكَذَلِكَ عَصْرُ الْعِنَبِ بِنِيَّةِ أَنْ يَكُونَ خَمْرًا مَعْصِيَةٌ مَلْعُونٌ فَاعِلُهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَصْرُهُ بِنِيَّةِ أَنْ يَكُونَ خَلًّا أَوْ دِبْسًا جَائِزٌ وَصُورَةُ الْفِعْلِ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ السِّلَاحُ يَبِيعُهُ الرَّجُلُ لِمَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ يَقْتُلُ بِهِ مُسْلِمًا حَرَامٌ بَاطِلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِذَا بَاعَهُ لِمَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُجَاهِدُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ طَاعَةٌ وَقُرْبَةٌ، وَكَذَلِكَ عَقْدُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ يَنْوِي بِهِ التَّقَرُّبَ وَالطَّاعَةَ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَهُ وَيَنْوِي بِهِ الْحَلِفَ وَالِامْتِنَاعَ فَيَكُونُ يَمِينًا مُكَفَّرَةً، وَكَذَلِكَ تَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَنْوِي بِهِ الْيَمِينَ وَالِامْتِنَاعَ فَلَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ وَيَنْوِي بِهِ وُقُوعَ الشَّرْطِ فَيَكْفُرُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ

[وَلَا يَكْفُرُ إنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ]

وَصُورَةُ اللَّفْظِ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ صَرِيحُهَا وَكِنَايَتُهَا يَنْوِي بِهَا الطَّلَاقَ فَيَكُونُ مَا نَوَاهُ وَيَنْوِي بِهِ غَيْرَهُ فَلَا تَطْلُقُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " أَنْتِ عِنْدِي مِثْلُ أُمِّي " يَنْوِي بِهَا الظِّهَارَ فَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ وَيَنْوِي بِهِ أَنَّهَا مِثْلُهَا فِي الْكَرَامَةِ فَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ وَاجِبًا يَنْوِي بِهِ الرُّجُوعَ مَلَكَهُ وَإِنْ نَوَى بِهِ التَّبَرُّعَ لَمْ يَرْجِعْ.

وَهَذَا كَمَا أَنَّهَا أَحْكَامُ الرَّبِّ تَعَالَى فِي الْعُقُودِ فَهِيَ أَحْكَامُهُ تَعَالَى فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمَثُوبَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ؛ فَقَدْ اطَّرَدَتْ سُنَّتُهُ بِذَلِكَ فِي شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ، أَمَّا الْعِبَادَاتُ فَتَأْثِيرُ النِّيَّاتِ فِي صِحَّتِهَا وَفَسَادِهَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى ذِكْرِهِ؛ فَإِنَّ الْقُرُبَاتِ كُلَّهَا مَبْنَاهَا عَلَى النِّيَّاتِ، وَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ عِبَادَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْدِ، وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يَنْوِ الْغُسْلَ أَوْ دَخَلَ الْحَمَّامَ لِلتَّنْظِيفِ أَوْ سَبَحَ لِلتَّبَرُّدِ لَمْ يَكُنْ غُسْلُهُ قُرْبَةً وَلَا عِبَادَةً بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْعِبَادَةَ فَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى، وَلَوْ أَمْسَكَ عَنْ الْمُفَطِّرَاتِ عَادَةً وَاشْتِغَالًا وَلَمْ يَنْوِ الْقُرْبَةَ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا، وَلَوْ دَارَ حَوْلَ الْبَيْتِ يَلْتَمِسُ شَيْئًا سَقَطَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ طَائِفًا، وَلَوْ أَعْطَى الْفَقِيرَ هِبَةً أَوْ هَدِيَّةً وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ لَمْ يُحْسَبْ زَكَاةً، وَلَوْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَنْوِ الِاعْتِكَافَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ.

وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْإِجْزَاءِ وَالِامْتِثَالِ فَهُوَ ثَابِتٌ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ؛ وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَ أَجْنَبِيَّةً يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ لَمْ يَأْثَمْ بِذَلِكَ وَقَدْ يُثَابُ بِنِيَّتِهِ، وَلَوْ جَامَعَ فِي ظُلْمَةٍ مَنْ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَبَانَتْ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَثِمَ عَلَى ذَلِكَ بِقَصْدِهِ وَنِيَّتِهِ لِلْحَرَامِ، وَلَوْ أَكَلَ طَعَامًا حَرَامًا يَظُنُّهُ حَلَالًا لَمْ يَأْثَمْ بِهِ، وَلَوْ أَكَلَهُ وَهُوَ حَلَالٌ يَظُنُّهُ حَرَامًا وَقَدْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ أَثِمَ بِنِيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>