الْمَنْطُوقِ، وَمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بَاطِلًا، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ إنَّمَا يَدُلُّ بِطَرِيقِ التَّعْلِيلِ أَوْ بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ، وَالْحُكْمُ إذَا ثَبَتَ لِعِلَّةٍ فَانْتَفَتْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ أَوْ جَمِيعُهَا جَازَ أَنْ يَخْلُفَهَا عِلَّةٌ أُخْرَى.
وَأَمَّا قَصْدُ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالتَّفْصِيلِ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا نَفَيْنَا إرْثَهَا مَعَ ذُكُورِ الْوَلَدِ أَوْ نَفَيْنَا إرْثَهَا النِّصْفَ فَرْضًا مَعَ إنَاثِهِمْ وَفَّيْنَا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ.
فَصْلٌ [الْمُرَادُ بِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ فِي الْمَوَارِيثِ]
وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: «فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَائِضِ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ أَوْ بَنُونَ وَبَنَاتٌ أَوْ بَنَاتُ ابْنٍ وَبَنُو ابْنٍ لَمْ يَنْفَرِدْ الذَّكَرُ بِالْبَاقِي دُونَ الْإِنَاثِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَتَعْصِيبُ الْأُخْتِ بِالْبِنْتِ كَتَعْصِيبِهَا بِأَخِيهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: «فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» مُوجِبًا لِاخْتِصَاصِ أَخِيهَا دُونَهَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِاخْتِصَاصِ ابْنِ عَمِّ الْجَدِّ بِالْبَاقِي دُونَهَا.
يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهَا أَخُوهَا لَمْ تَسْقُطْ، وَكَانَ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الْبَنَاتِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَخِيهَا. هَذَا، وَأَخُوهَا أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ الْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ، فَإِذَا لَمْ يُسْقِطْهَا الْأَخُ فَلَأَنْ لَا يُسْقِطَهَا ابْنُ عَمِّ الْجَدِّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَإِذَا لَمْ يُسْقِطْهَا وَرِثَتْ دُونَهُ، لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْأَخِ فَإِنَّهَا تُشَارِكُهُ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ مِنْ الْمَيِّتِ، فَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ وَالْمِيزَانِ الْمُوَافِقِ لِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَلِقَضَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ فَلَا تَخْصِيصَ فِي الْحَدِيثِ، بَلْ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَفْقَهُ وَأَلْطَفُ.
يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْفَرَائِضِ أَنَّ جِنْسَ أَهْلِ الْفُرُوضِ فِيهَا مُقَدَّمُونَ عَلَى جِنْسِ الْعَصَبَةِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَا فَرْضٍ مَحْضٍ أَوْ كَانَ لَهُ مَعَ فَرْضِهِ تَعْصِيبٌ فِي حَالٍ إمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ، وَالْأَخَوَاتُ مِنْ جِنْسِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُنَّ عَلَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُنَّ مِمَّنْ لَا يَرِثُ إلَّا بِالتَّعْصِيبِ الْمَحْضِ كَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ وَبَنِي الْإِخْوَةِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى حِرْمَانِهِنَّ مَعَ الْبَنَاتِ كَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى حِرْمَانِهِنَّ مَعَ إخْوَتِهِنَّ وَحِرْمَانِ بَنَاتِ الِابْنِ، بَلْ الْبَنَاتِ أَنْفُسِهِنَّ مَعَ إخْوَتِهِنَّ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ، فَكَذَا الْآخَرُ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُهُ أَنَّا رَأَيْنَا قَاعِدَةَ الْفَرَائِضِ أَنَّ الْبَعِيدَ مِنْ الْعَصَبَاتِ يُعَصِّبُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرْضٌ، كَمَا إذَا كَانَ بَنَاتٌ وَبَنَاتُ ابْنٍ وَأَسْفَلُ مِنْهُنَّ ابْنُ ابْنِ ابْنٍ فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهُنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute