للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاسْتَفْصَلَهُ، وَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْتَهُ كَذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا، فَأَبَى أَنْ يَشْهَدَ» .

وَتَحْتَ هَذَا الِاسْتِفْصَالِ: أَنَّ وَلَدَك إنْ كَانُوا اشْتَرَكُوا فِي النِّحَلِ صَحَّ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ، وَمِنْ ذَلِكَ «أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ اسْتَفْتَاهُ: هَلْ يَجِدُ لَهُ رُخْصَةً أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ؟ فَقَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَأَجِبْ» فَاسْتَفْصَلَهُ بَيْنَ أَنْ يَسْمَعَ النِّدَاءَ أَوْ لَا يَسْمَعَهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ «لَمَّا اُسْتُفْتِيَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ إنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ فَهِيَ لَهُ، وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِهَا مِثْلُهَا» وَهَذَا كَثِيرٌ فِي فَتَاوِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فَإِذَا سُئِلَ الْمُفْتِي عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى قَصَّارٍ يُقَصِّرُهُ، فَأَنْكَرَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ، هَلْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ عَلَى الْقِصَارَةِ أَمْ لَا؟ فَالْجَوَابُ بِالْإِطْلَاقِ خَطَأٌ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ كَانَ قَصَّرَهُ قَبْلَ الْجُحُودِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّهُ قَصَّرَهُ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ قَصَّرَهُ بَعْدَ جُحُودِهِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِأَنَّهُ قَصَّرَهُ لِنَفْسِهِ.

وَكَذَلِكَ إذَا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا، فَفَعَلَهُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِحِنْثِهِ حَتَّى يَسْتَفْصِلَهُ: هَلْ كَانَ ثَابِتَ الْعَقْلِ وَقْتَ فِعْلِهِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا كَانَ ثَابِتَ الْعَقْلِ فَهَلْ كَانَ مُخْتَارًا فِي يَمِينِهِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا كَانَ مُخْتَارًا فَهَلْ اسْتَثْنَى عَقِيبَ يَمِينِهِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَسْتَثْنِ فَهَلْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَالِمًا ذَاكِرًا مُخْتَارًا أَمْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا؟ وَإِذَا كَانَ عَالِمًا مُخْتَارًا فَهَلْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ دَاخِلًا فِي قَصْدِهِ وَنِيَّتِهِ أَوْ قَصَدَ عَدَمَ دُخُولِهِ فَخَصَّصَهُ بِنِيَّتِهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ دُخُولَهُ وَلَا نَوَى تَخْصِيصَهُ؟ فَإِنَّ الْحِنْثَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ.

وَرَأَيْنَا مِنْ مُفْتِي الْعَصْرِ مَنْ بَادَرَ إلَى التَّحْنِيثِ، فَاسْتَفْصَلْنَاهُ، فَوَجَدَهُ غَيْرَ حَانِثٍ فِي مَذْهَبِ مِنْ أَفْتَاهُ، وَقَعَ ذَلِكَ مِرَارًا؛ فَخَطَرُ الْمُفْتِي عَظِيمٌ، فَإِنَّهُ مُوَقِّعٌ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، زَاعِمٌ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِكَذَا وَحَرَّمَ كَذَا أَوْ أَوْجَبَ كَذَا.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَفْتِيَهُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مَثَلًا: هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؟ فَجَوَابُهُ بِتَفْصِيلِ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَأَنَّ الْجَمْعَ إنْ كَانَ فِي وَقْتِ الْأُولَى لَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ جَازَ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ " إنْ لَمْ تُحْرِقْ هَذَا الْمَتَاعَ أَوْ تَهْدِمْ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ تُتْلِفْ هَذَا الْمَالَ، وَإِلَّا قَتَلْتُك " فَفَعَلَ: هَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا؟ جَوَابُهُ بِالتَّفْصِيلِ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمُكْرَهُ عَلَى إتْلَافِهِ لِلْمُكْرَهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ ضَمِنَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>