مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذَتْ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، قَالَ خُذِي مَا يَكْفِيكَ وَوَلَدَكَ بِالْمَعْرُوفِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْفَتْوَى أُمُورًا، أَحَدُهَا: أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ، بَلْ الْمَعْرُوفُ يَنْفِي تَقْدِيرَهَا، وَلَمْ يَكُنْ تَقْدِيرُهَا مَعْرُوفًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا تَابِعِيهِمْ.
الثَّانِي: أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مِنْ جِنْسِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ كِلَاهُمَا بِالْمَعْرُوفِ.
الثَّالِثُ: انْفِرَادُ الْأَبِ بِنَفَقَةِ أَوْلَادِهِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الزَّوْجَ أَوْ الْأَبَ إذَا لَمْ يَبْذُلْ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ فَلِلزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ أَنْ يَأْخُذُوا قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَدَرَتْ عَلَى أَخْذِ كِفَايَتِهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَى الْفَسْخِ سَبِيلٌ.
السَّادِسُ: أَنَّ مَا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ فَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ.
السَّابِعُ: إنَّ ذَمَّ الشَّاكِي لِخَصْمِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ حَالَ الشِّكَايَةِ لَا يَكُونُ غَيْبَةً، فَلَا يَأْثَمُ بِهِ هُوَ وَلَا سَامِعُهُ بِإِقْرَارِهِ عَلَيْهِ.
الثَّامِنُ: أَنَّ مَنْ مَنَعَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَكَانَ سَبَبُ ثُبُوتِهِ ظَاهِرًا فَلِمُسْتَحِقِّهِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِنْدًا، وَأَفْتَى بِهِ الضَّيْفَ إذَا لَمْ يُقِرَّهُ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ مَحْرُومًا كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اقْتَضَاهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ» وَفِي لَفْظٍ «مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ» وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْحَقِّ خَفِيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا أَفْتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» .
«وَسَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أَبُوكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
زَادَ مُسْلِمٌ «ثُمَّ أَدْنَاكَ فَأَدْنَاكَ» .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْبِرِّ، وَقَالَ أَيْضًا: الطَّاعَةُ لِلْأَبِ، وَلِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْبِرِّ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ «ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ» .
وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ أُمَّكَ، وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ، وَأَخَاكَ، وَمَوْلَاكَ، وَمَوْلَاكَ الَّذِي يَلِي ذَاكَ، حَقٌّ وَاجِبٌ وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ» .