للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَعَلَ هَذَا إلَهًا مَعَ الْقَوِيِّ الْعَزِيزِ فَمَا قَدَرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَلَا عَرَفَهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَلَا عَظَّمَهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ.

فَصْلٌ.

وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٧١] فَتَضَمَّنَ هَذَا الْمَثَلَ نَاعِقًا أَيْ مُصَوِّتًا بِالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا، وَمَنْعُوقًا بِهِ وَهُوَ الدَّوَابُّ، فَقِيلَ: النَّاعِقُ الْعَابِدُ وَهُوَ الدَّاعِي لِلصَّنَمِ، وَالصَّنَمُ هُوَ الْمَنْعُوقُ بِهِ الْمَدْعُوُّ، وَإِنَّ حَالَ الْكَافِرِ فِي دُعَائِهِ كَحَالِ مَنْ يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُهُ، هَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُ.

وَاسْتَشْكَلَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ هَذَا الْقَوْلَ، وَقَالُوا: قَوْلُهُ: {إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً} [البقرة: ١٧١] لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَسْمَعُ دُعَاءً وَلَا نِدَاءً.

وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا الِاسْتِشْكَالِ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ " إلَّا " زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى بِمَا لَا يَسْمَعُ دُعَاءً وَنِدَاءً، قَالُوا: وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَصْمَعِيُّ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

حَرَاجِيجُ مَا تَنْفَكُّ إلَّا مُنَاخَةً

أَيْ مَا تَنْفَكُّ مُنَاخَةً، وَهَذَا جَوَابٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّ " إلَّا " لَا تُزَادُ فِي الْكَلَامِ.

الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي مُطْلَقِ الدُّعَاءِ لَا فِي خُصُوصِيَّاتِ الْمَدْعُوِّ.

الْجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ مَثَلَ هَؤُلَاءِ فِي دُعَائِهِمْ آلِهَتَهُمْ الَّتِي لَا تَفْقَهُ دُعَاءَهُمْ كَمَثَلِ النَّاعِقِ بِغَنَمِهِ، فَلَا يَنْتَفِعُ مِنْ نَعِيقِهِ بِشَيْءٍ، غَيْرَ أَنَّهُ هُوَ فِي دُعَاءٍ وَنِدَاءٍ، وَكَذَلِكَ الْمُشْرِكُ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُعَائِهِ وَعِبَادَتِهِ إلَّا الْعَنَاءُ.

وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَالْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَفْقَهُ مِمَّا يَقُولُ الرَّاعِي أَكْثَرَ مِنْ الصَّوْتِ؛ فَالرَّاعِي هُوَ دَاعِي الْكُفَّارِ، وَالْكُفَّارُ هُمْ الْبَهَائِمُ الْمَنْعُوقُ بِهَا.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: الْمَعْنَى وَمَثَلُك يَا مُحَمَّدُ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ النَّاعِقِ وَالْمَنْعُوقِ بِهِ؛ وَعَلَى قَوْلِهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَدَاعِيهمْ كَمَثَلِ الْغَنَمِ وَالنَّاعِقِ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>