للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّرِيقَ إلَى رِضَاهُ، فَهُوَ فِي رَاحَةٍ مِنْ تَشَاحُنِ الْخُلَطَاءِ فِيهِ، بَلْ هُوَ سَالِمٌ لِمَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ تَنَازُعٍ فِيهِ، مَعَ رَأْفَةِ مَالِكِهِ بِهِ، وَرَحْمَتِهِ لَهُ، وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِحْسَانِهِ إلَيْهِ، وَتَوَلِّيهِ لِمَصَالِحِهِ، فَهَلْ يَسْتَوِي هَذَانِ الْعَبْدَانِ؟ وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ الْأَمْثَالِ؛ فَإِنَّ الْخَالِصَ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ يَسْتَحِقُّ مِنْ مَعُونَتِهِ وَإِحْسَانِهِ وَالْتِفَاتِهِ إلَيْهِ وَقِيَامِهِ بِمَصَالِحِهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ الشُّرَكَاءِ الْمُتَشَاكِسِينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

فَصْلٌ.

وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ - وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ - وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: ١٠ - ١٢] فَاشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْثَالٍ: مَثَلٌ لِلْكُفَّارِ، وَمِثْلَيْنِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَتَضَمَّنَ مَثَلُ الْكُفَّارِ أَنَّ الْكَافِرَ يُعَاقَبُ عَلَى كُفْرِهِ وَعَدَاوَتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَلَا يَنْفَعُهُ مَعَ كُفْرِهِ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ لُحْمَةِ نَسَبٍ أَوْ صِلَةِ صِهْرٍ أَوْ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الِاتِّصَالِ.

فَإِنَّ الْأَسْبَابَ كُلَّهَا تَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا مَا كَانَ مِنْهَا مُتَّصِلًا بِاَللَّهِ وَحْدَهُ عَلَى أَيْدِي رُسُلِهِ، فَلَوْ نَفَعَتْ وَصْلَةُ الْقَرَابَةِ وَالْمُصَاهَرَةِ أَوْ النِّكَاحِ مَعَ عَدَمِ الْإِيمَانِ لَنَفَعَتْ الْوَصْلَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ لُوطٍ وَنُوحٍ وَامْرَأَتَيْهِمَا، فَلَمَّا لَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا {وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: ١٠] قَطَعَتْ الْآيَةُ حِينَئِذٍ طَمَعَ مَنْ رَكِبَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ، وَرَجَا أَنْ يَنْفَعَهُ صَلَاحُ غَيْرِهِ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فِي الدُّنْيَا أَشَدَّ الِاتِّصَالِ، فَلَا اتِّصَالَ فَوْقَ اتِّصَالِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالزَّوْجِيَّةِ، وَلَمْ يُغْنِ نُوحٌ عَنْ ابْنِهِ، وَلَا إبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ، وَلَا نُوحٌ وَلَا لُوطٌ عَنْ امْرَأَتَيْهِمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة: ٣] وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا} [الانفطار: ١٩] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ٤٨] وَقَالَ: {وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [لقمان: ٣٣] وَهَذَا كُلُّهُ تَكْذِيبٌ لِأَطْمَاعِ الْمُشْرِكِينَ الْبَاطِلَةِ أَنَّ مَنْ تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ قَرَابَةٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ صُحْبَةٍ يَنْفَعُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَوْ يُجِيرُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>