وَقَالَ شُعْبَةُ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَةَ بْنَ فَيْرُوزَ قَالَ: «قُلْتُ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: حَدِّثْنِي مَا كَرِهَ أَوْ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيّ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ نَاقِصَةَ الْقَرْنِ أَوْ الْأُذُنِ، قَالَ: فَمَا كَرِهْتُ مِنْهُ فَدَعْهُ، وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ» ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَلَمْ يَقِسْ عَلَيْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا، فَبَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ؛ فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: قَدْ وَضَحَتْ الْأُمُورُ، وَتَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ، وَلَمْ يُتْرَكْ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ مُتَكَلِّمٌ إلَّا أَنْ يَضِلَّ عَبْدٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ أَتَى الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ بُيِّنَ لَهُ، وَإِلَّا فَوَاَللَّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِكُلِّ مَا تُحْدِثُونَ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ مِنْ الدَّيْنِ لَكَانَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ طَاقَةٌ بِقِيَاسِ كُلِّ مَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ عَلَى نَظِيرِهِ بِوَصْفٍ جَامِعٍ شَبَهِيٍّ، وَإِذَا كَانَ الْقِيَاسِيُّونَ لَا يَعْجِزُونَ عَنْ ذَلِكَ فَكَيْفَ الصَّحَابَةُ؟ وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ مِنْ الدِّينِ لَكَانَ الْجَمِيعُ مُبَيَّنًا، وَلَمَّا قَسَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ إلَى مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ وَإِلَى مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَلَى قَوْلِكُمْ قَدْ بَيَّنَ الْجَمِيعَ بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يَنْقَلِبُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - قَدْ بَيَّنَ الْجَمِيعَ.
قُلْنَا: مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - نُطْقًا فَقَدْ بَيَّنَ حُكْمَهُ، وَمَا لَمْ يُبَيِّنْهُ نُطْقًا بَلْ سَكَتَ عَنْهُ فَقَدْ بَيَّنَ لَنَا أَنَّهُ عَفْوٌ، وَأَمَّا الْقِيَاسِيُّونَ فَيَقُولُونَ: مَا سَكَتَ عَنْهُ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، وَفَرْقٌ عَظِيمٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَنَحْنُ أَسْعَدُ بِالْبَيَانِ النُّطْقِيِّ وَالسُّكُوتِيِّ مِنْكُمْ لِتَعْمِيمِنَا الْبَيَانَيْنِ وَعَدَمِ تَنَاقُضِنَا فِيهِمَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَيْسَ عَامٌ إلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، لَا أَقُولُ عَامٌ أَمْطُرُ مِنْ عَامٍ، وَلَا عَامٌ أَخْصَبُ مِنْ عَامٍ، وَلَا أَمِيرٌ خَيْرٌ مِنْ أَمِيرٍ، وَلَكِنْ ذَهَابُ خِيَارِكُمْ وَعُلَمَائِكُمْ، ثُمَّ يَحْدُثُ قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ فَيَنْهَدِمُ الْإِسْلَامُ وَيَنْثَلِمُ.
وَتَقَدَّمَ قَوْلُ عُمَرَ: الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ: كِتَابٌ نَاطِقٌ، وَسُنَّةٌ مَاضِيَةٌ، وَلَا أَدْرِي، وَقَوْلُهُ لِأَبِي الشَّعْثَاءِ: لَا تُفْتِيَنَّ إلَّا بِكِتَابٍ نَاطِقٍ، أَوْ سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute