للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: أَخْبِرْنِي عَنْ كَلِمَةٍ أَوَّلُهَا شِرْكٌ وَآخِرُهَا إيمَانٌ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، قَالَ جَعْفَرٌ: هِيَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَلَوْ قَالَ " لَا إلَهَ " ثُمَّ أَمْسَكَ كَانَ مُشْرِكًا؛ فَهَذِهِ كَلِمَةٌ أَوَّلُهَا شِرْكٌ وَآخِرُهَا إيمَانٌ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ، أَيُّهُمَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ: قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، أَوْ الزِّنَا؟ قَالَ: بَلْ قَتْلُ النَّفْسِ، فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: إنَّ اللَّهَ قَدْ قَبِلَ فِي قَتْلِ النَّفْسِ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يَقْبَلْ فِي الزِّنَا إلَّا أَرْبَعَةً، فَكَيْفَ يَقُومُ لَكَ قِيَاسٌ؟ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهُمَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ: الصَّوْمُ، أَوْ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: بَلْ الصَّلَاةُ، قَالَ: فَمَا بَالُ الْمَرْأَةِ إذَا حَاضَتْ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ اتَّقِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ، وَلَا تَقِسْ، فَإِنَّا نَقِفُ غَدًا نَحْنُ وَأَنْتَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ فَنَقُولُ: قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَقُولُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ: قِسْنَا، وَرَأَيْنَا، فَيَفْعَلُ اللَّهُ بِنَا وَبِكُمْ مَا يَشَاءُ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: الْزَمْ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَمْرَانِ تَرَكْتُهُمَا فِيكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابُ اللَّهِ، وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ» .

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ مَالِكٌ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَامَ الْمُسْلِمِينَ، وَسَيِّدَ الْعَالَمِينَ، يُسْأَلُ عَنْ الشَّيْءِ فَلَا يُجِيبُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْوَحْيُ مِنْ السَّمَاءِ» ، فَإِذَا كَانَ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا يُجِيبُ إلَّا بِالْوَحْيِ، وَإِلَّا لَمْ يُجِبْ، فَمِنْ الْجُرْأَةِ الْعَظِيمَةِ إجَابَةُ مَنْ أَجَابَ بِرَأْيِهِ، أَوْ قِيَاسُ، أَوْ تَقْلِيدُ مَنْ يُحْسَنُ بِهِ الظَّنُّ، أَوْ عُرْفٌ، أَوْ عَادَةٌ، أَوْ سِيَاسَةٌ، أَوْ ذَوْقٌ، أَوْ كَشْفٌ، أَوْ مَنَامٌ، أَوْ اسْتِحْسَانٌ، أَوْ خَرْصٌ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو: ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعَ بْنَ الْجَرَّاحِ يَقُولُ لِيَحْيَى بْنِ صَالِحٍ الْوُحَاظِيِّ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، احْذَرْ الرَّأْيَ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ أَحْسَنُ مِنْ بَعْضِ قِيَاسِهِمْ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ لِي حَمَّادُ بْنُ أَبِي حَنِيفَةَ: قَالَ أَبِي: مَنْ لَمْ يَدَعْ الْقِيَاسَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَمْ يَفْقَهْ.

فَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّهُ لَا يَفْقَهُ مَنْ لَمْ يَدَعْ الْقِيَاسَ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ، قَالُوا: فَتَبًّا لِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَفْقَهُ الْمَرْءُ إلَّا بِتَرْكِهِ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ: مَا عُبِدَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إلَّا بِالْمَقَايِيسِ.

وَقَالَ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: ثنا الشَّعْبِيُّ يَوْمًا قَالَ: يُوشِكُ أَنْ يَصِيرَ الْجَهْلُ عِلْمًا وَالْعِلْمُ جَهْلًا، قَالُوا: وَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا يَا أَبَا عَمْرٍو؟ قَالَ: كُنَّا نَتَّبِعُ الْآثَارَ وَمَا جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ الْقِيَاسُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>