للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا تَفْرِيقٌ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ، وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى عَكْسِهِ لَكَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِكُمْ سَوَاءٌ، وَلَأَمْكَنَهُ تَعْلِيلُهُ بِنَحْوِ مَا عَلَّلْتُمْ بِهِ.

وَوَجَّهْتُمْ الْفَرْقَ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ أَنْ يَنْتَقِلَ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ، وَبِخُرُوجِ الْوَقْتِ اسْتَقَرَّ الْفَرْضُ عَلَيْهِ اسْتِقْرَارًا لَا يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ حَالِهِ فَبَقِيَ فَرْضُهُ رَكْعَتَيْنِ، فَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ اقْتِدَاءَهُ بِالْمُقِيمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ جَوَّزْنَا اقْتِدَاءَ مَنْ فَرْضُهُ رَكْعَتَانِ بِمَنْ فَرْضُهُ أَرْبَعٌ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ، كَمُصَلِّي الْفَجْرِ إذَا اقْتَدَى بِمُصَلِّي الظُّهْرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ أَنْ يَنْتَقِلَ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ لَمْ يَنْتَقِلْ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ، فَإِنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فِي الْوَقْتِ انْتَقَلَ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ.

ثُمَّ نَاقَضْتُمْ وَقُلْتُمْ: إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا وَخَلْفُهُ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَاسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مُقِيمًا فَإِنَّ فَرْضَ الْإِمَامِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ وَهُوَ فَرْضُ الْمُقِيمِينَ، مَعَ أَنَّ الْفَرْقَ فِي الْأَصْلِ مَدْخُولٌ. وَذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاتَيْنِ سَوَاءٌ فِي الِاسْمِ وَالْحُكْمِ وَالْوَضْعِ وَالْوُجُوبِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتَا فِي كَوْنِ الْإِمَامِ مُصَلِّيًا، فَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ أَرْبَعًا وَجَبَ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْوَقْتِ، وَخُرُوجُ الْوَقْتِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ هُوَ بِعَيْنِهِ فَرَضَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ نَائِمًا أَوْ نَاسِيًا، فَإِنَّ وَقْتَ الْيَقَظَةِ وَالذِّكْرَ هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي شَرَعَ اللَّهُ لَهُ الصَّلَاةَ فِيهِ، وَعُذْرُ السَّفَرِ قَائِمٌ، وَارْتِبَاطُ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ حَاصِلٌ، فَمَا الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ مَعَ اتِّحَادِ السَّبَبِ الْجَامِعِ وَقِيَامِ الْحِكْمَةِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْقَصْرِ وَالْمُرَجِّحَةِ لِمَصْلَحَةِ الِاقْتِدَاءِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ؟ وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَا جَمَعَتْ الشَّرِيعَةُ بَيْنَهُمَا - وَهُوَ الْحَيْضُ، وَالنِّفَاسُ، فَجَعَلْتُمْ أَقَلَّ الْحَيْضِ مَحْدُودًا إمَّا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بِيَوْمٍ، وَلَمْ تَجِدُوا أَقَلَّ النِّفَاسِ، وَكِلَاهُمَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ يَمْنَعُ أَشْيَاءَ وَيُوجِبُ أَشْيَاءَ، وَلَيْسَا اسْمَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ لَمْ يُعْرَفَا إلَّا بِالشَّرِيعَةِ، بَلْ هُمَا اسْمَانِ لُغَوِيَّانِ، رَدَّ الشَّارِعُ أُمَّتَهُ فِيهِمَا إلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النِّسَاءُ حَيْضًا وَنِفَاسًا، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. وَقَدْ ذَكَرْتُمْ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي النِّفَاسِ، فَمَا الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ؟ وَلَمْ يَأْتِ عَنْ اللَّهِ وَلَا عَنْ رَسُولِهِ وَلَا عَنْ الصَّحَابَةِ تَحْدِيدُ أَقَلِّ الْحَيْضِ بِحَدٍّ أَبَدًا، وَلَا فِي الْقِيَاسِ مَا يَقْتَضِيهِ.

وَالْعَجَبُ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ: الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ حَيْثُ لَمْ يَحُدَّهُ الشَّارِعُ، ثُمَّ نَاقَضْتُمْ فَقُلْتُمْ: حَدُّ أَقَلِّهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.

وَأَمَّا أَصْحَابُ الثَّلَاثِ فَإِنَّمَا اعْتَمَدُوا عَلَى حَدِيثٍ تَوَهَّمُوهُ صَحِيحًا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>