للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان: ٨] وَسُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَفْضَلِ الرِّقَابِ فَقَالَ: «أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» وَنَذَرَ عُمَرُ أَنْ يَنْحَرَ نَجِيبَةً فَأُعْطِيَ بِهَا نَجِيبَتَيْنِ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْخُذَهُمَا بِهَا وَيَنْحَرَهُمَا، فَقَالَ: «لَا، بَلْ انْحَرْهَا إيَّاهَا» فَاعْتُبِرَ فِي الْأُضْحِيَّةَ عَيْنُ الْمَنْذُورِ دُونَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَلَأَنْ يُعْتَبَرَ فِي الزَّكَاةِ نَفْسُ الْوَاجِبِ دُونَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْلَى وَأَحْرَى.

وَطَرْدُ قِيَاسِكُمْ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ جِيَادٍ فَأَخْرَجَ عَشَرَةً مِنْ أَرْدَأِ الشِّيَاهِ وَأَهْزَلِهَا وَقِيمَتُهُنَّ قِيمَةُ الْأَرْبَعِ، أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ حِقَاقٍ جِيَادٍ فَأَخْرَجَ عِشْرِينَ ابْنَ لَبُونٍ مِنْ أَرْدَأِ الْإِبِلِ وَأَهْزَلِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ، فَإِنْ مَنَعْتُمْ ذَلِكَ نَقَضْتُمْ الْقِيَاسَ، وَإِنْ طَرَدْتُمُوهُ تَيَمَّمْتُمْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ، وَسَلَّطْتُمْ رَبَّ الْمَالِ عَلَى إخْرَاجِ رَدِيئِهِ وَمَعَايِبِهِ عَنْ جَيِّدِهِ، وَالْمَرْجِعُ فِي التَّقْوِيمِ إلَى اجْتِهَادِهِ، وَفِي هَذَا مِنْ مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ وَالْمِيزَانِ مَا فِيهِ.

وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَا جَمَعَ الشَّارِعُ بَيْنَهُ وَجَمَعْتُمْ بَيْنَ مَا فَرَّقَ بَيْنَهُ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقُلْتُمْ: يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ لَمَّا كَانَ مُعَيَّنًا بِالشَّرْعِ أَجْزَأَ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ، بِخِلَافِ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، وَبَنَيْتُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: " لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ " فَصَامَهُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلَوْ قَالَ: " لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ غَدًا " فَصَامَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ، وَهَذَا تَفْرِيقٌ بَيْنَ مَا جَمَعَ الشَّارِعُ بَيْنَهُ مِنْ صَوْمِ الْفَرْضِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ، وَهَذَا فِي صَوْمِ الْفَرْضِ، وَأَمَّا النَّفَلُ فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُنْشِئُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ، فَسَوَّيْتُمْ بَيْنَهُمَا فِي إجْزَائِهِمَا بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَقَدْ فَرَّقَ الشَّارِعُ بَيْنَهُمَا. وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ بَعْضِ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ وَبَعْضٍ فِي اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِي اللَّيْلِ وَقَدْ سَوَّى الشَّارِعُ بَيْنَهُمَا. وَالْفَرْقُ بِالتَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ عَدِيمُ التَّأْثِيرِ فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَيَّنَ لَمْ يَصِرْ عِبَادَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَلِهَذَا لَوْ أَمْسَكَ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا، فَإِذَا لَمْ تُقَارِنْ النِّيَّةُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْيَوْمِ فَقَدْ خَرَجَ بَعْضُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً، فَلَمْ يُؤَدِّ مَا أُمِرَ بِهِ، وَتَعْيِينُهُ لَا يَزِيدُ وُجُوبَهُ إلَّا تَأْكِيدًا وَاقْتِضَاءً، فَلَوْ قِيلَ: إنَّ الْمُعَيَّنَ أَوْلَى بِوُجُوبِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَكَانَ أَصَحَّ فِي الْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ هُوَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، فَلَا يَصِحُّ الْفَرْضُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَالنَّفَلُ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِيهِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْفَرْضِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ النَّفَلَ قَاعِدًا وَرَاكِبًا عَلَى دَابَّتِهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا.

وَفِي ذَلِكَ تَكْثِيرُ النَّفْلِ وَتَيْسِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>