شَرْطٌ لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ سُنَّةٍ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَصَوْمِهَا أَوْ سُنَّةٍ دُونَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، فَكَيْفَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِشَرْطِ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ اتِّبَاعًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَتَرْكِ شَرْطِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الَّذِي قَضَاؤُهُ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ؟
يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ دُونَ الْفُقَرَاءِ كَانَ شَرْطًا بَاطِلًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ، هُوَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمُعْظَمُ أَصْحَابِنَا قَطَعُوا بِالْبُطْلَانِ، هَذَا مَعَ أَنَّ وَصْفَ الْغِنَى وَصْفٌ مُبَاحٌ وَنِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ، وَصَاحِبُهُ إذَا كَانَ شَاكِرًا فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَقِيرِ مَعَ صَبْرِهِ عِنْدَ طَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ، فَكَيْفَ يُلْغَى هَذَا الشَّرْطُ وَيَصِحُّ شَرْطُ التَّرَهُّبِ فِي الْإِسْلَامِ الَّذِي أَبْطَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ» ؟ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ مَنْ شَرَطَ التَّعَزُّبَ فَإِنَّمَا قَصَدَ أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ، فَقَصَدَ أَنْ يَتَعَبَّدَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَبَرَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَقَالَ: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» وَكَانَ قَصْدُ أُولَئِكَ الصَّحَابَةِ هُوَ قَصْدُ هَؤُلَاءِ الْوَاقِفِينَ بِعَيْنِهِ سَوَاءٌ، فَإِنَّهُمْ قَصَدُوا تَرْفِيَةَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْعِبَادَةِ وَتَرْكِ النِّكَاحِ الَّذِي يَشْغَلُهُمْ، تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ بِتَرْكِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ مَا قَالَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِ فَلَيْسَ مِنْهُ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الظُّهُورِ، فَكَيْفَ يَحِلُّ الْإِلْزَامُ بِتَرْكِ شَيْءٍ قَدْ أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَنْ رَغِبَ عَنْهُ فَلَيْسَ مِنْهُ؟ هَذَا مِمَّا لَا تَحْتَمِلُهُ الشَّرِيعَةُ بِوَجْهٍ.
[تُعْرَضُ شُرُوطُ الْوَاقِفِينَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ]
فَالصَّوَابُ الَّذِي لَا تُسَوِّغُ الشَّرِيعَةُ غَيْرَهُ عَرْضُ شَرْطِ الْوَاقِفِينَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - وَعَلَى شَرْطِهِ، فَمَا وَافَقَ كِتَابَهُ وَشَرْطَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَمَا خَالَفَهُ كَانَ شَرْطًا بَاطِلًا مَرْدُودًا، وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَعْظَمَ مِنْ رَدِّ حُكْمِ الْحَاكِمِ إذَا خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمِنْ رَدِّ فَتْوَى الْمُفْتِي، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عَلَى رَدِّ وَصِيَّةِ الْجَانِفِ فِي وَصِيَّتِهِ وَالْآثِمِ فِيهَا، مَعَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ فِي غَيْرِ قُرْبَةٍ، وَهِيَ أَوْسَعُ مِنْ الْوَقْفِ، وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِرَدِّ كُلِّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، فَهَذَا الشَّرْطُ مَرْدُودٌ بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَهُ وَيَعْتَبِرَهُ وَيُصَحِّحَهُ.
ثُمَّ كَيْفَ يُوجِبُونَ الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ الَّتِي إنَّمَا أَخْرَجَ الْوَاقِفُ مَالَهُ لِمَنْ قَامَ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute