ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْقَرْضِ رَدُّ الْمِثْلِ، وَهَذَا لَا مِثْلَ لَهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ عَنْ مُوجَبِ هَذَا الْقِيَاسِ فِي الصَّيْدِ لِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ [عَلَى أَنَّهُ] يَضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ وَهُوَ مِثْلٌ مُقَيَّدٌ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، مِنْهُمْ: مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَهُمْ يُجَوِّزُونَ قَرْضَ الْحَيَوَانِ أَيْضًا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ اسْتَسْلَفَ بَكْرًا وَقَضَى جَمَلًا رُبَاعِيًّا، وَقَالَ إنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي مُوجَبِ قَرْضِ الْحَيَوَانِ، هَلْ يَجِبُ رَدُّ الْقِيمَةِ، أَوْ الْمِثْلِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَهِيَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ:
أَحَدُهَا: يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِالْمِثْلِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
وَالثَّانِي: يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِالْقِيمَةِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْحَيَوَانَ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَمَا عَدَاهُ كَالْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا بِالْقِيمَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْجِدَارِ يُهْدَمُ، هَلْ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ يُعَادُ مِثْلُهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا لِلشَّافِعِيِّ، وَالصَّحِيحُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ، وَمَا عَدَاهُ فَمُنَاقِضٌ لِلنَّصِّ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ تَقْرِيبًا، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عَلَى ضَمَانِ الصَّيْدِ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ بَعِيرٍ وَبَعِيرٍ أَعْظَمُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ النَّعَامَةِ وَالْبَعِيرِ وَبَيْنَ شَاةٍ وَشَاةٍ أَعْظَمُ مِنْهَا بَيْنَ طَيْرٍ وَشَاةٍ، وَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَلَ الْبَعِيرِ الَّذِي أَقْرَضَهُ مِثْلَهُ دُونَ قِيمَتِهِ وَرَدَّ عِوَضَ الْقَصْعَةِ الَّتِي كَسَرَتْهَا بَعْضُ أَزْوَاجِهِ قَصْعَتَهَا نَظِيرَهَا، وَقَالَ: إنَاءٌ بِإِنَاءٍ وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ، فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الضَّمَانِ، وَهَذَا عَيْنُ الْعَدْلِ وَمَحْضُ الْقِيَاسِ وَتَأْوِيلُ الْقُرْآنِ.
وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا فِي مَسَائِلِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ إِسْحَاقُ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: قَالَ سُفْيَانُ: مَنْ كَسَرَ شَيْئًا صَحِيحًا فَقِيمَتُهُ صَحِيحًا، فَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ كَانَ يُوجَدُ مِثْلُهُ فَمِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَكْسِرُ قَصْعَةَ الرَّجُلِ، أَوْ عَصَاهُ، أَوْ يَشُقُّ ثَوْبًا لِرَجُلٍ، قَالَ: عَلَيْهِ الْمِثْلُ فِي الْعَصَا وَالْقَصْعَةِ وَالثَّوْبِ، فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الشَّقُّ قَلِيلًا؟ فَقَالَ: صَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ قَلِيلًا كَانَ، أَوْ كَثِيرًا.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ: مَنْ كَسَرَ شَيْئًا صَحِيحًا فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ مِثْلُهُ فَمِثْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، فَإِذَا كَسَرَ الذَّهَبَ فَإِنَّهُ يُصْلِحُهُ إنْ كَانَ خَلْخَالًا، وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute