للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا قَالَ الْأَخُ: أَنَا أَرِثُ مَعَ الْجَدِّ لِأَنِّي ابْنُ أَبِ الْمَيِّتِ وَالْجَدُّ أَبُو أَبِيهِ فَكِلَانَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ سَوَاءٌ، صَاحَ ابْنُ الْأَخِ مَعَ أَبِ الْجَدِّ وَقَالَ: أَنَا ابْنُ ابْنِ أَبِ الْمَيِّتِ فَكَيْف حَرَمْتُمُونِي مَعَ أَبِي أَبِي أَبِيهِ وَدَرَجَتُنَا وَاحِدَةٌ؟ وَكَيْف سَمِعْتُمْ قَوْلَ أَبِي مَعَ الْجَدِّ وَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلِي مَعَ أَبِي الْجَدِّ؟ فَإِنْ قِيلَ: أَبُو الْجَدِّ جَدٌّ وَإِنْ عَلَا، وَلَيْسَ ابْنُ الْأَخِ أَخًا.

قِيلَ: فَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَبُو الْأَبِ أَبًا، وَ [أَبُو] الْجَدِّ جَدًّا، فَمَا لِلْإِخْوَةِ مِيرَاثٌ مَعَ الْأَبِ بِحَالٍ.

فَإِنْ قُلْتُمْ: نَحْنُ نَجْعَلُ أَبَا الْجَدِّ جَدًّا، وَلَا نَجْعَلُ أَبَا الْأَبِ أَبًا.

قِيلَ: هَكَذَا فَعَلْتُمْ، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَتَنَاقَضْتُمْ أَبْيَنَ تَنَاقُضٍ، وَجَعَلْتُمُوهُ أَبًا فِي مَوْضِعٍ وَأَخْرَجْتُمُوهُ عَنْ الْأُبُوَّةِ فِي مَوْضِعٍ.

يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ الْخَامِسُ: وَهُوَ أَنَّ نِسْبَةَ الْجَدِّ إلَى الْأَبِ فِي الْعَمُودِ الْأَعْلَى كَنِسْبَةِ ابْنِ الِابْنِ إلَى الِابْنِ فِي الْعَمُودِ الْأَسْفَلِ، فَهَذَا أَبُو أَبِيهِ، وَهَذَا ابْنُ ابْنِهِ، فَهَذَا يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِأَبِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا يُدْلِي إلَيْهِ بِابْنِهِ، فَكَمَا كَانَ ابْنُ الِابْنِ ابْنًا فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَبُو الْأَبِ أَبًا، فَهَذَا هُوَ الِاعْتِبَارُ الصَّحِيحُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدٌ؟ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا وَلَا يَجْعَلُ أَبَا الْأَبِ أَبًا؟

يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ السَّادِسُ: [وَهُوَ] أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - سَمَّى الْجَدَّ أَبًا فِي قَوْلِهِ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: ٧٨] وَقَوْلِهِ: {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: ٢٧] وَقَوْلِهِ: {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ} [الشعراء: ٧٦] وَقَوْلِ يُوسُفَ: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: ٣٨] وَفِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ «هَذَا أَبُوكَ آدَم وَهَذَا أَبُوكَ إبْرَاهِيمُ» «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْيَهُودِ مَنْ أَبُوكُمْ؟ قَالُوا: فُلَانٌ، قَالَ: كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ قَالُوا: صَدَقْتَ» .

وَسَمَّى ابْنَ الِابْنِ ابْنًا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: ٢٦] وَ: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: ٤٠] وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا» وَالْأُبُوَّةُ وَالْبُنُوَّةُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُتَلَازِمَةِ الْمُتَضَايِفَةِ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ، فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْبُنُوَّةِ لِابْنِ الِابْنِ إلَّا مَعَ ثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ لِأَبِ الْأَبِ.

يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ السَّابِعُ: وَهُوَ أَنَّ الْجَدَّ لَوْ مَاتَ وَرِثَهُ بَنُو بَنِيهِ دُونَ إخْوَتِهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، فَهَكَذَا الْأَبُ إذَا مَاتَ يَرِثُهُ أَبُو أَبِيهِ دُونَ إخْوَتِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ لِزَيْدٍ: كَيْف يَرِثُنِي أَوْلَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>