للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَفْقُودُ بَعْدَ ذَلِكَ فَخَيَّرَهُ عُمَرُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ مَهْرِهَا؛ فَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ: مَا أَدْرِي مَنْ ذَهَبَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ إلَى أَيِّ شَيْءٍ يَذْهَبُ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي مَسَائِلِهِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ - وَقِيلَ لَهُ: فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ مِنْ الْمَفْقُودِ؟ - فَقَالَ: مَا فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، هَذَا خَمْسَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرُوهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ، قَالَ أَحْمَدُ: مِنْ ضِيقِ عِلْمِ الرَّجُلِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: إنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ فِي الْمَفْقُودِ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا زَوْجَةُ الْقَادِمِ بِكُلِّ حَالٍ، إلَّا أَنْ نَقُولَ: الْفُرْقَةُ تَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ فَتَكُونُ زَوْجَةَ الثَّانِي بِكُلِّ حَالٍ، وَغَلَا بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ لِعُمَرَ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِقَوْلِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ لَنُقِضَ حُكْمُهُ لِبُعْدِهِ عَنْ الْقِيَاسِ.

وَطَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ: أَخَذَتْ بِبَعْضِ قَوْلِ عُمَرَ، وَتَرَكُوا بَعْضَهُ، فَقَالُوا: إذَا تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَلَا تُرَدُّ إلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا رُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ. [مَنْ تَصَرَّفَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ هَلْ تَصَرُّفُهُ مَرْدُودٌ أَوْ مَوْقُوفٌ] .

قَالَ شَيْخُنَا: مَنْ خَالَفَ عُمَرَ لَمْ يَهْتَدِ إلَى مَا اهْتَدَى إلَيْهِ عُمَرُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْخِبْرَةِ بِالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ مِثْلُ خِبْرَةِ عُمَرَ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِأَصْلٍ وَهُوَ وَقْفُ الْعُقُودِ إذَا تَصَرَّفَ الرَّجُلُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، هَلْ يَقَعُ تَصَرُّفُهُ مَرْدُودًا أَوْ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ: إحْدَاهُمَا أَنَّهَا تَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا لَا تَقِفُ، وَهُوَ أَشْهُرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ التَّفْصِيلُ.

وَهُوَ أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ إذَا كَانَ مَعْذُورًا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ وَكَانَ بِهِ حَاجَةٌ إلَى التَّصَرُّفِ وَقَفَ الْعَقْدُ عَلَى الْإِجَارَةِ بِلَا نِزَاعٍ عِنْدَهُ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِئْذَانُ أَوْ لَمْ تَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى التَّصَرُّفِ فَفِيهِ النِّزَاعُ؛ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ مَنْ عِنْدَهُ أَمْوَالٌ لَا يَعْرِفُ أَصْحَابَهَا كَالْغُصُوبِ وَالْعَوَارِيِّ وَنَحْوِهَا فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَيَئِسَ مِنْهَا فَإِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُمْ؛ فَإِنْ ظَهَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ كَانُوا مُخَيَّرِينَ بَيْنَ الْإِمْضَاءِ وَبَيْنَ التَّضْمِينِ.

وَهَذَا مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي اللُّقَطَةِ؛ فَإِنَّ الْمُلْتَقِطَ يَأْخُذُهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا ثُمَّ إنْ جَاءَ صَاحِبُهَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ إمْضَاءِ تَصَرُّفِهِ وَبَيْنَ الْمُطَالَبَةِ بِهَا، فَهُوَ تَصَرُّفٌ مَوْقُوفٌ لَمَّا تَعَذَّرَ الِاسْتِئْذَانُ وَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّصَرُّفِ، وَكَذَلِكَ الْمُوصِي بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَصِيَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَالْمَفْقُودُ الْمُنْقَطِعُ خَبَرُهُ إنْ قِيلَ: " إنَّ امْرَأَتَهُ تَبْقَى إلَى أَنْ يُعْلَمَ خَبَرُهُ " بَقِيَتْ لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ زَوْجٍ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>